للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشامل يحتم تضاد القوى، ولو خفف الإنسان بعض أساليبه، أما الأحلام الكمالية، فإنما قربها في الكلام وشبه المنام

يقول الدكتور: (الدليل على نقض تلك الحجة النفسية نفور الجند في هذه الحرب الحاضرة) وهم يحاربون، لأنهم (جماعات وكتل بشرية تترك في الميادين).

يريد، على ما يبدو، أن الجندي النافر يسيطر عليه روح الجماعة في هذه الكتل فينساق معها إلى المحاربة. وهذه حجة لابد أن تكون حقيقة علمية دقيقة، لا يدركها إلا كل من درس علم الاجتماع. لكن الذي لم يدرس قد يظن أن روح الجماعة، وإن كان دون روح الفرد، يكون أحياناً أنبل من أرواح أفرادها، كروح الجمعية الوطنية في الثورة الفرنسية الكبرى، إذ أعلنت الجمعية حقوق الإنسان، مثلاً، ونزل النبلاء فيها عن ألقابهم ومميزاتهم. وقد يعجب القارئ لروح أولئك الجنود المتكتلين، وهو ناتج من أرواحهم النافرة من الحرب ونافر بالضرورة من هذه الحرب، كيف يدفعهم إليها وهم كتل مسلحة متجمعة في الميدان وفي المعسكرات، ففي وسعها العصيان بروح الكتلة المسيطر

هذا والأمم مجاميع أفراد، والفرد يؤثر في البيئة ويتأثر منها، كما ذكر آنفاً، والحياة ميدان قتال. فالقبائل ليس فيها نظام الحكومات والجندية، وإن كان الاحتكام عندها إلى شيوخها، وعادتها الغزو، يجمع له الأفراد مختارين للسلب والسبي، وطلب المرعى والماء؛ وشيمة هؤلاء الأفراد المنازلة وأخذ الثارات المنيمة. والذين فتحوا الولايات المتحدة الأمريكية من محيط إلى محيط. تقاتلوا فيما بينهم وكل منهم يحمي أرضه ويوسعها، وقاتلوا الهنود والحيوان أفراداً ثم جماعات قبل أن ينتظموا ولايات منفصلة فمتحدة. وما القول في المرتزقة قديماً والمتطوعين حديثاً من أمريكيين وبريطانيين وسواهم، كما تطوع كتشنر لفرنسا في حرب سنة ١٨٧٠؟ وأرض الأهل حيث يفتح الفرد عينيه لنور الحياة بين قلوب تتحنن عليه أرض تحببه إياها وتسمو به. في كل أمر حتى يضحي بنفسه وبذوي قرباه في سبيل وطنه إرضاء لمعنى مثالي في فؤاده لا يقبل البحث. والأمثلة وافرة: رجال المقاومة والعصابات الأهلية في فرنسا وبولونيا وغيرهما، والذين يفرون من الأسر، ويركبون الأهوال في سبيل العودة إلى صفوفهم مختارين، والذي يقطع نصفه في الحرب فيخرج من المستشفى ملحاً في طلب طائرته ليعود بنصفه الباقي إلى القتال، والحال النفسية البادية

<<  <  ج:
ص:  >  >>