الحزين في كل شعره الذي قاله في منفاه، ولم تستطع طبيعة هذه البلاد - وقلبه مليء بالحزن والأسى - أن توحي إليه بشعر فرح إلا قصيدة واحدة يصف فيها روضة بكندي، ويوماً قضاء مع رفقة بتلك الروضة، وتلمح في هذا الوصف إنه وصف حسي لم يشارك القلب فيه الحواس، بل أن لسانه لم يتحرك بقول هذا الشعر إلا بعد أن سأله رفقاؤه أن يخلد ذكرى يومهم في شعره. وأما وصفه لكندي فمع قلته تشيع فيه روح الألم والحزن
برغم كل ما قاساه البارودي في غربته لم يفقد الأمل في أن يعود يوما إلى وطنه، فهذا الأمل وطيد لا يمكن أن يزول:
ولي أمل في الله تحيا به المنى ... ويشرق وجه الظن والخطب كاشر
وطيد يزل الكيد وتنقضي ... مجاهدة الأيام وهو مثابر
وقد حقق الله له هذا الأمل. ففي (١٧ مايو سنة ١٩٠٠) أصدر الخديو عباس حلمي الثاني أمره بالعفو عنه، فعاد البارودي إلى وطن طالما حن إليه وشرب ثانية من ماء النيل الذي لم يرو بماء غير مائة فارقه حتى عاد إليه.