مدينا بزعامته لربه لا لحزبه كان خليقا أن يساوي بين الناس جميعا في عدله وفضله. أما وقد استشرت العصبية ففرقت شعبنا فرقا لكل فرقة طرز ورسوم، ومزقت وطننا مزقا تفصل بينها مكوس وتخوم، فإنا أحرياء بأن نصلح الأمر بما صلح عليه أو له: نخفت في نفوسنا صوت الاثرة، ونسكن في رءوسنا عصف الهوى، ونجدد في أذهاننا ما طمس من معاني الإيثار والإخاء والفداء والمروءة، ونحدد في إفهامنا ما أنبهم من هذه المبادئ الإسلامية الصريحة:(إنما المؤمنون اخوة)، (وأمرهم شورى بينهم)، (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، الناس سواسية كأسنان المشط.
وتلك هي المثل العليا للسلام والنظام والحكم تطلبها الشعوب المكروبة المسخرة بالثورة بعد الثورة، وبالحرب عقب الحرب فيحول بينها وبينها تصادم القوى وتعارض المنافع.
لا نطمع في أن نجعل من الوطن العربي الذي قطعه الغاصبون الآكاون دويلات أو لقيمات يسهل ازدرادها، وحدة كاملة. ذلك فوق الطاقة الآن، لأنه عمل لم يقو عليه من قبل غير محمد، ولن يقوى عليه من بعد غير رجل من رجال محمد. هو الرجل الذي ينتظره العرب انتظارهم رجعة الربيع، ثم لا ينفكون النظر إليه في الأفق النائم يرجعون أن تنشق الحجب عن ظهوره. وبحسبنا اليوم أن نمهد أمامه الطريق ونهيئ له النفوس بهذه (الجامعة العربية) التي تتوافدون إلى عقد ميثاقها في القاهرة. فإذا أقمنوها يا زعماء العرب على الإيمان الصادق والنية الخالصة كانت إرهاسا لظهور ذلك الزعيم العظيم الذي يجمع الله لكم فيه الراعي الذي يطرد الذئب، والنظام الذي يجمع الحب، والدليل الذي يحمل المصباح، والقائد الذي يرفع العلم، والأستاذ الذي يعلمكم أن تصنعوا الإبرة والمدفع، وتشقوا المنجم والحقل، وتوفقوا بين الدين والدنيا، وتلائموا بين المنفعة الخاصة والمنفعة العامة، ويومئذ تعودون إلى منزلتكم من صدر الحياة ومكانتكم من قيادة الناس.