أحكامها الشاملة، ومبادئها القوية في كل شان من شئون الحياة من بيع وشراء، ونكاح وطلاق، وميراث وهبة ووصية، وزكاة وصدقة، وقضاء وعقوبات وحرب وسلم وغير ذلك.
يومئذ أعلن القران في وضوح أن هذا الدين قد كمل كمالاً مطلقاً، وان نعمة الله به قد تمت، وانه قد ارتضاه لعباده فلا بنهل منهم سواء (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا)، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
بهذا تقرر، واصبح من العقائد الإسلامية، أن هذا الدين خالد، وانه بعقيدته وشريعته طريق الصلاح والنجاة للناس في دنياهم وأخراهم، وان العالم مهما طال بهم الزمن وامتدت به الحياة لا يحتاج في صلاحه إلى شيء وراء الاستظلال بظل هذا الدين، والعمل بمبادئه، ومن هنا استقر في الأذهان أن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان.
ولكن ما سر الصلاحية التي استحقت بها شريعة الإسلام أن تكون هي الشريعة الخالدة؟ وهل في استطاعت الباحث أن يثبت ذلك في صورة علمية واضحة يستوي في النظر إليها جميع الناظرين؟
ذلك ما نريد في هذا المقال:
ليس الباحث أن يستقصي جميع الأحكام التي جاءت بها الشريعة المحمدية حكما حكما، ويتتبع ذلك كل جزئية من الجزئيات ليختبر مبدأ الصلاحية ويعرف مداه، فإن هذا شيء يطول ولا يكاد يقف عند حد.
ولكن حسبه أن ينظر إلى مبدأ واحد هو المحور الذي تدور عليه سائر الأحكام مهما تعددت وتنوعت، وبيان ذلك: أن من يتأمل حالة العالم في عصوره المتعاقبة وأطواره المتتابعة يعرف حق المعرفة انه كان يتردد بين طرفين من إفراط وتفريط،
وكان ذلك شانه في كل شيء: في العقائد في الأخلاق، في صلة الإنسان بالحياة، في علاقة الفرد بالمجتمع، في علاقة الأمم بعضها ببعض، في طريقة التشريع، إلى غير ذلك من سائر الشئون، وقد جاء الإسلام فأدرك أن العالم لا يصلح بواحدة من هاتين الخطتين، وانهما منافيتان للفطرة الإنسانية والطبيعية البشرية، منافيتان لسنن الاجتماع التي تقضي