وذاك تصبح الحياة عبئا ثقيلا لا يحتمل، بل جحيما لا يطاق!
وكذلك كان شأن الشريعة الإسلامية في تحديد علاقة الأمة بغيرها من الأمم: لم ترض للمسلمين بحياة الضعف والذلة وان يكونوا عزلا من القوة ينتظرون حظهم، ويترقبون مصيرهم، وما تقرره الأمم الأخرى في شأنهم، ولم ترض لهم كذلك بحياة الظلم والاستبداد والفتك بالضعفاء والاعتداء على الآمنين في أوطانهم وأموالهم، ولكنها أمرت المسلمين بالاستعداد والتقوى بالعدد والعدة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وأمرتهم أن يدعوا الله بالحجة والبرهان لا بالإلجاء والقهر (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)
ونظرت إلى الحرب وأسبابها الداعية إليها والمفضية إلى شب نيرانها نظرة تتفق وغايتها من الصلاح العام والمساواة بين الناس والسير فيهم على سنن العدل والرحمة، فحصرت أسبابها في دائرة معقولة تتناسب مع كونها ضرورة من الضرورات: دفع الظلم والعدوان، وإقرار حرية التدين، والدفاع عن الأوطان، وإن القرآن الكريم ليرشد إلى ذلك في عدة مواضع إذ يقول:
(وقاتلوا في سبيل اله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)(وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة اعلموا أن الله مع المتقين)(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)
وأساس الدستور العام في ذلك هو قوله تعالى (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)
وقد أباحت الشريعة الإسلامية أن ينشئوا ما شاءوا من العلاقات بينهم وبين الذين لم يعتدوا عليهم في الدين أو الوطن من كل ما يرونه عونا لهم على حياتهم في شئون التجارة والصناعة والعلم والسياسة والثقافة، ينظمون ذلك كله على الوجه الذي يتبين صلاحه، والذي تقضي به سنن الاجتماع والفطرة، والذي لا يتعارض مع دستورهم الخاص، وقد أجازت الشريعة أن تصل هذه العلاقات إلى حد البر بهم والإحسان إليهم
وأساس الدستور العام في ذلك هو قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين،