للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أنواره ساطعة في عيوننا، ونساؤه الكاشفات يتراءين لنا من وراء الزجاج في الحرير والذهب، وأصوات الغناء والمرح في آذاننا، تهزأ بالفقر وأهله، وتضحك وقحة في مآتمهم، وترقص فاجرة في مقابرهم، والسيارات تقف في بابه تنزل منها باقات الزهر، وثمن كل باقة يحيي الأسرة من الأسر أياما، والهدايا التي تذهب بالمال ولا تأتي بالنفع لوحات مصورة، وكؤوس منقوشة مذهبة، وتماثيل للناس وللبهائم، لو وزعت أثمانها على فقراء الحي لم تدع فيه فقراء، والفضيلة قد توارت خجلاً في زاوية الطريق، وإبليس واقف يضحك مسرورا بأن سلب نفراً من أمة محمد فضائل دينها، ومروءتها، وأن ثأر من آدم فجرد بعض بنيه من بشرتهم، وأحالهم شياطين في أجسام بشر، أو ذئابا قد استخفت في الثياب. . . ولم أقل كلابا لئلا أشتم الكلاب!

ونعجب بعد هذا من إبراهيم بن أدهم لما أخرجوه ليستقي لهم، وقالوا له استبطأنا المطر، فأدع الله لنا، فقال: تستبطئون المطر؟ أنا والله استبطئ الحجارة. . .

(ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى)

وما هذا القصر لملك ولا أمير، ولكنه لتاجر من هؤلاء التجار الذين يحيون في أيام الحروب التي يموت فيها الناس، ويغنون حين يفتقرون، وينسون أن لهذا الكون ألهاً قادراً عادلاً جباراً، ما استقال ولا أحيل على المعاش، ولا يزال لهم بالمرصاد، وينسون أن الموت آت لا مفر لهم منه، وأن قبل الموت المصائب والرزايا؛ الفقر والثكل والمرض؛ وأن بعد الموت الحساب، وبعد الحساب جهنم أو الجنة، أفبلغ بالتجار أن يعلنوا الحرب على الله؟

أننا نعيش بحمد الله في منجاة من القتال وأهواله، والحرب وبلاياها، ومالنا عدو يحاربنا، وما عدونا إلا هؤلاء المحتكرون أعداء الله وأعداء البشر، الذين حبسوا أقواتنا، وأخفوا أرزاقنا، وارتضوا لنا أن نجوع ونعرى، ليكنزوا الذهب والفضة ويطيفوا بها إطافة الوثني بصنمه، وليربقوا فيض مالهم على أرجل بنات إبليس: الأرتستات الراقصات، وفي معابد الشهوة الملهبات ونوادي القمار، وفي كؤوس الحميم التي اسمها الشمبانيا والويسكي، يحارون ماذا يشترون بمالهم من اللذات المحرمة، وفي أي مطرح من مطارح التبذير

<<  <  ج:
ص:  >  >>