للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الطائفي عند فريق من الناس فتداركها رجال السياسة والعقلاء من المفكرين، أبرزت حوادث أخرى مثل إنصاف الطبقات والمتخرجين في الجامعات والمدارس ظاهرة أخرى لنوع آخر من التعصب للمهنة أو الوظيفة أو المعهد أو الثقافة، وكلها ألوان من التعصب هي كما قلنا تمس إلى حد كبير وحدة الأمة وتماسكها، ويستطيع بعض الناس أن يجعل منها مقياسا لحضارتها وثقافة مجموعها وفهمه لمقومات الأمم وتهذيب الأفراد.

وقد كان هذا المظهر الأخير من مظاهر التعصب أكثر وضوحا للمشتغلين بالصحافة والذين لهم وعي وحسن أدراك للتيارات الذهنية والتموجات النفسية والفكرية للمجتمع المصري.

كما كان أبز وأوضح لمن تولوا شؤون هذا الأنصاف للطبقات والخريجين والحاصلين على مختلف الإجازات العلمية والشهادات المدرسية وكم سمعنا وقرأنا لهؤلاء الذين تولوا هذه الشؤون فأدركنا أن أمر جد، أنه مما يستحق أن يشتغل به المفكرون والذين لهم غيرة على وحدة الأمة الثقافية أو تماسكها الثقافي على الأقل.

وقد كان مما يهون - إلى حد ما - من شأن التعصب العنصري والطائفي أن فشوه قاصر على السواد وأبناء الشعب وأن الساسة والمفكرين يقضون على سمومه عند أول نهزة.

ولكن هذا اللون الجديد من التعصب الثقافي ليس فاشياً بين السواد ولا بين أبناء الشعب، ولكنه قائم محتدم بين الخاصة والمثقفين منه، وان أحدا لم يدرك خطره ولا شره فيعمل على خلاص هؤلاء المثقفين والخاصة منه، ويعمل على أن يعود بهذه الشيع من المتخاصمين المتنابذين إلى ما يجب أن يكونوا عليه جميعاً من رفعة التهذيب، ومن تعمق وسعة الصدر والإدراك

وقد يكون للسواد والجهلة شيء من العذر في أن يتعصبوا وأن يفترقوا وأن يخاصم بعضهم بعضا فيما لا يجب أن يكون بينهم فيه خصام، أو فيما يجب ألا يكون بينه خصام، وأن يميز بعضهم بعضا أو يفاضل بعضهم بينه وبين بعض آخر فيما يجب ألا يكون بينهم فيه تفاضل ولا تمايز. ولكنه عذر للمثقفين - إذا أرادوا أن يكون لهم من هذا الوصف نصيب - في أن يتنابذوا ولا يتعصب كل منهم وينحاز إلى جانب يراه أرفع شأنا وأميز ثقافة وأقوم في حياة الأمة وفي نفعها، ليس لأنه كذلك في واقع الامر، ولكن لأنه هو من هذا الطريق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>