للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على التجربة منذ بدايتها نيف وعشرون سنة بدأت قبل الزحف الفاشي على روما وانتهت قبل الزحف عليها بجيوش الخلفاء الديمقراطيين

فماذا أفاد كل ذاك؟

لقد كان أولئك الجنود الفاشيون اسبق المقاتلين إلى الفرار في ميدان الصحراء وفي ميدان اليونان، وكانت هذه التربية مجبنة لهم ولم تكن سبيلاً إلى الشجاعة ونهوض العزيمة، لأن العزيمة والجفجعة قلما تجتمعان

ثم ذهب موسيلني - إمام الفاشية - بين عشية وضحاها فلم يسرع إلى نجدته أحد من جنوده في طول البلاد وعرضها سواء ما وقع منها في قبضة الحلفاء الديمقراطيين، وما بقي منها في قبضة الألمان النازلين، وجاءه المدد حين جاءه من هؤلاء ولم يجئه من أبطاله الذين دربهم على نظامه سنوات بعد سنوات

وتعليل ذلك غير بعيد على من يكلف نفسه مؤونة النظر وراء المواكب والصيحات، أن لشجاعة خلق من الأخلاق، وليست نظاماً من النظم المدروسة، وكل خلق من الأخلاق فلابد له من الشعور بالتبعة ومن الحرية التي يقتضيها الشعور بالتبعة، لأنك لا تحمل الإنسان تبعة خلقية وأنت توثق مشيئته بوثاق الطاعة العمياء، ولا تعود خلقاً قط، وهو ملقى التبعة على السواء

وأظهر من هذه العلة البديهية علة الإحجام عن معونة الدولة المدبرة ومن حولها أولئك الأنصار الناشئون على يديها

فإن جنود الفاشية قد نبتوا في حمايتها وقاموا على يديها، فهي التي تحميهم وهي القوية وهم العاجزون أن يحموها يوم تزول عنها القوة. ومن قام على يد فهو يضرب بها ولا يضرب دونها، ويسقط معها ولا يقيمها بعد سقوطها

وهكذا صنع الجنود الفاشيون بالدولة الفاشية، وهكذا يصنع أمثالهم بأمثالها في كل زمن وبين كل قبيل

فالتربية على الشعور بالتبعة - أو على الشجاعة الأدبية بعبارة أخرى - هي حاجتنا اليوم نحن المصريين أو نحن الشرقيين على التعميم، وأمثولة رومان رولان ألزم لنا من أمثولة العسكرية المزعومة التي رأينا قصارى جهدها في تاريخ قريب لا تزال نشهده، ولا حاجة

<<  <  ج:
ص:  >  >>