بقطرات الندى، والتي يحيط بها من كل ناحية سهول ممتدة من الرمل الأصفر، تتلاشى بالتدريج في خط الأفق.
ويتألف المنخفض من سلسة من الأحواض الضحلة تحتضنها حروف واطئة ملتوية من الحصباء السمراء المحترقة بأشعة الشمس. وتقطع الأكمات على مقربة من منخفض القطارة مجار تشبه الجداول الصغيرة، غير أن الماء لم يعرف سبيله قط إليها. ومن المشاهد العجيبة في المنطقة الجنوبية للمنخفض انتظام الأكمات الرملية التي تنفصل كل منها عن الأخرى بما يقرب من مائة ياردة (أي نحو تسعين مترا ً)، في صرة مجموعة متصلة من السلاسل الرملية. وتجد متناثراً هنا وهناك على الأكمات الرملية جذوع أشجار الغابات المتحجرة بما فيها من عقد وفروع، وبعض تلك الجذوع غائر بحيث لا يبدو منها فوق الأرض الناعمة التربة إلا أعلاها بشكل يشبه مخالب عملاق تمتد في الفضاء. وفي أثناء عبور الفرقة للمنخفض عثروا على مواطئ أقدام لابد أن يكون قد مضى عليها سنوات عدة، ولكنها مع ذلك لم تكد تؤثر فيها العوامل الجوية. وهناك يلف صمت الصحراء الرهيب كل شيء، كأنه ملاءة شاسعة؛ ذلك الصمت الذي يستحوذ على مشاعر الإنسان، فان لم يسيطر العزم الصادق على أعماله حينئذ، تغلب ذلك الصمت عليه فساقه في أي اتجاه طلباً للنجاة مما استولى عليه من السأم، محاولاً البحث عن سلوى يلجأ إليها في ذلك العمق الرهيب لسكون المفازة الشاسعة، وما يزال كذلك حتى يضل الطريق فلا يعرف أمشرق هو أم مغرب. عندئذ تلحقه الخيبة والهزيمة فيقع في سبات - فان النجدة كان الهلاك مصيره. تلك هي الأراضي التي اجتازها باكنولد ورفقاؤه.
وتدل الكتابات الجغرافية عن المنخفض على أن مصلحة المساحة المصرية قامت بتخطيطه على خرائط دائرية منذ سنة ١٩٢٧، وبذلك أصبحت مساحته معروفة على سبيل الدقة وتكتنفه الأجرف الرملية من جانبيه الشمالي والغربي، على حين أنه في جانبيه الجنوبي والشرقي مفتوح منبسط بحيث أن قاعه في معظم هاتين الجهتين يأخذ في الارتفاع تدريجياً حتى يوازي المستوى العام للصحراء الحقيقية ويتلاشى فيه. وهذا التدرج في الارتفاع من قاع المنخفض إلى سطح الصحراء يجعل من الصعب تخطيط حد فاصل بين نهاية المنخفض وبداية الصحراء. على أننا إذا اعتبرنا المنخفض شاملاً لبقعة الأرض الفسيحة