البكالوريا وغيرهم، وإني أذكر أنه قد اجتمع لدي لما كنت ناظر لإحدى المدارس الابتدائية تسعة أنواع من هؤلاء، فكان لا يمر يوم واحد بدون مشاحنة بين بعضهم البعض، فكيف يظن متفائل أن عدداً من هؤلاء إذا اجتمعوا في مدرسة يمكن لهم أن يتفقوا ويتفاهموا في سبيل صالحها! فما بالك بما ينشده كل معهد علمي من التضافر والتعاون في سبيل النهوض به وبأبنائه! إن التعاون في مثل هذه المدرسة مستحيل لأن كل ضعيف من هؤلاء يفكر في الدفاع عن نفسه أو هاجمه غيره وأظهر امتهانه لثقافته، ولأن كل قوي منهم يحاول أن يهاجم غيره ويقلل من أهميته، ومصلحة التعليم ضائعة بين الكر والفر والهجوم والدفاع! لا يفكر فيها مفكر وليس الأمر في هذا التنافر قاصراً على التعليم وحده، ولكنه يتعداه إلى غيره من مرافق البلاد الحيوية خصوصاً تلك التي تسيطر عليها عناصر مختلفة الدراسات والثقافات. فهذه الحال نجدها بين رجال القضاء الأهلي والشرعي في المجالس الحسبية خاصة. كما نجدها بين رجال القضاء الشرعي فيما بينهم من طائفتي خريجي الجامعة الأزهرية، وخريجي مدرسة القضاء الشرعي! وهذه الحال نجدها بين طوائف المهندسين من خريجي كلية الهندسة وخريجي المدرسة التطبيقية وخريجي الفنون الجميلة العليا وخريجي الفنون والصنائع على النظام القديم والحديث! ثم إن هذه الحال نفسها نجدها مع الأسف في قادة الرأي والزعماء المشرفين على مصالح البلاد العامة كلها! فياله من انقسام وانحلال يكاد يهوي بنا! وكان للتشعب والتنوع في التعليم الواحد أثره الفعال فيه! لقد نبهنا من سنين عدة إلى ضرورة رسم سياسة تعليمية عليا توجه التعليم في البلاد توجيهاً صالحاً في سبيل التوحيد والتعاون ولكننا مع الأسف لم نجد سميعاً! فكان ما تراه من تخاصم وتنافر وتناحر!
وإذا كان اليوم قد تولى أمور التعليم رجل عالم واسع الفكر فانا نهيب به أن يعمل جاهداً في سبيل الوحدة بوضع التعلم والثقافة في هذا البلد على أسس قويمة تكفل الوحدة وتدفع إلى التعاون والتآزر بدلا من التخاصم والتنافر. إن ثمرة ذلك لا تأتي إلا بعد زمن طويل ولكن الفخر للوزير العامل الذي سيضع إن شاء الله بذور ثقافة موحدة تنمو وتزدهر في مستقبل الأيام وتستمر على مدى الأيام حاملة اسمه في سجل العاملين الخالدين.