تكون مذهباً، فتمثل في محاولات رمزية وصور مجازية متباينة.
وإذا نظرنا إلى بعض الصفحات التي كتبها كير كجورد عن (الظلمات الروحية) للنفس التي تبحث عن الله فأننا نجد فيها نبرة صادقة قوية تشهد بتجربة صوفية عميقة. والواقع أن المشكلة التي واجهت كير كجورد باعتبارها المشكلة الوحيدة الهامة إنما هي مشكلة الإيمان، فقد بدا لكير كجورد أنه لا سبيل إلى إثبات حقيقة الإيمان إلا بإنكار عالم العقل والمنطق (وهو العالم الذي يعرف له كير كجورد قيمته، وإن كان في نظره متجسداً في هيجل). ومن ناحية أخرى فإن إيمان كير كجورد لم يكن مقترنا بمجموعة من المبادئ العامة أو الحقائق المطلقة (كما هو الحال عند أصحاب المذهب البروتستنتي الذين لا يرتبطون بكنيسة قوية تجمع بينهم في وحدة قوية شاملة) ولذلك فقد كان بطبيعته إيماناً منطلقاً سهل التحول، لا يتوفر فيه أي عنصر من عناصر اليقين أو الطمأنينة. ومثل هذا الإيمان لا يعسر أن يرتبط بالقلق والجزع والتمزق الداخلي في نفس صاحبه؛ بل إنه ليصبح حقيقياً بقدر ما يقترن به من هذه العوامل النفسية.
وهنا لعبت التجربة الروحية التي عناها كير كجورد دورها الأساسي الهام: فإن كير كجورد كان قد خطب فتاة أحبها وأحبته فاستقر رأيه على أن ينقض هذه الخطبة، واعتبر تضحيته هذه قبيل تضحية إبراهيم الخليل وظن أنه كان لديه إيمان حقيقي كما كان لدى إبراهيم، فإن المعجزة لا بد أيضاً أن تحدث، وبالتالي فإن خطيبته لابد أن تعود إليه كما عاد أسحق إلى أبيه. بيد أن خطيبته لم تعد إليه، فأدت به هذه التجربة إلى اعتبار الإيمان سراً عميقاً لا سبيل إلى اكتناهه؛ وانضافت إلى هذه التجربة نزعته اللاعقلية فذهب كير كجورد إلى القول بأن المؤمن (أو رجل الإيمان) يعيش بالضرورة في شك مرير قاتل من جهة الإيمان نفسه. فأنت إذا اعتقدت أن لديك إيماناً فكأنك بذلك تجدف على الإيمان.
ولكن كير كجورد لا يدعنا في هذه الحالة من التمزق الداخلي، بل سرعان ما ينقذ الإنسان من السقوط الكامل، فيثبت - في لمحة سريعة باهرة - عالم المعجزة، وعالم الحرية الإنسانية والصلة الفائقة للعقل بين الله والإنسان. ولكنه إثبات يعتمد على الذوق الصوفي واللمع الروحية، مما لا سبيل إلى العثور عليه عند فيلسوف آخر غير كير كجورد الصوفي المتوحَّد!