وثالثها فساد عميق في تربية الناس الاجتماعية. فقد تلاقي صنوفا من الأفراد بعضهم صغير وبعضهم كبير، ولقد تتلطف مع الصغير بدافع إنساني برئ ظانا أنك بعملك هذا تدخل السرور على نفس بشرية، فإذا بك وقد سقطت هيبتك من قلبه، وإذا به يتطاول إلى المساس بك في غير ذوق ولا حياء. ولقد تفسح في صدرك، ثم يأتي يوم يتحرك دمك فإذا بك ترد في عنف، وإذا بالمسكين يصحو بعد غفلة، وإذا به يشكو دون أن يفهم شيئاً أو يدرك له محنة. وإذا كان كبيرا ولكنه صغير النفس وعاملته في رفق وتأدب ظن معاملتك ضعفا، أو خيل إليه وهمه ذلك، فإذا جاء يوم وصفعته صفع الأقوياء لأنك رجل عزيز النفس حامي الدماء أسقط في يده وأخذه إما عناد الحمقى وإما انهيار الأذلاء. ولست أدري لذلك من سبب غير فساد التربية الاجتماعية، فسادها في المنزل وفي المدرسة وفي الوظيفة وفي الشارع وفي الدكان وفي المصرف وفي كل مكان، حتى لكأنك تسير في بلد كله أرقاء، سيان في ذلك سيدهم ومسودهم، رئيسهم ومرؤوسهم، بلاد منكودة وأخلاق مسفة! أي عذاب نفسي في أن تراك مضطرا إلى تقدير كل لفظ تقول وكل حركة أو ابتسامة أو تقطيب جبين! أناس لا فهم لهم ولا تقدير، لا يعرفون حداً يبدأون منه ولا حداً ينتهون إليه أنعام سائمة! ترى أباستطاعتك أن تخلق لنفسك عقلية جديدة وذوقا جديدا وتربية جديدة تماشي بها الناس، أم تأخذك العزة فتثبت كما أنت محاولا أن تنقل العقول وتحول الأذواق وتسدد التربية لتستطيع أن تتفاهم مع الناس أو أن تقبلهم أو تطيق عليهم صبرا. هذه أسئلة لا يستطيع الإجابة عليها غير الله فإليه نفوض الأمر.