وتقديم النظريات العلمية مغلفة وموشاة بأزاهير البيان فلا ينفر منها الحس، ولا تنبوا عنها، المشاعر، بل تنساب في هذه النواحي سهلة لينة، هذا هو سر الكلف بأدب الدكتور وتعلق القلوب به، حتى ذهب بعض النقاد إلى القول بأن أبحاث الدكتور الأدبية ستخلد ببيانها وعرضها وأسلوبها كما تخلد بنظرياتها وأنت في حل من أن تماري فيما يضم هذا الكتاب أو ذاك من آراء لا تطمئن إليها أو تذهب إزاءها مذهبا آخر؛ ولكن الذي ليس فيه مراء أنك مع هذه الأبحاث في جو فني بديع؛ على هذا الأسلوب يتناول الدكتور أبحاثه ودراساته الأدبية، فقد يذهب بك إلى (المتنبي) أو (أبي العلاء) أو (الأدباء المعاصرين) فتجد خير من يؤنس ويقدم ويدير الحديث؛ ويرفع الحجب بينك وبينهم؛ ويضع يدك في لباقة على مواضع ضعفهم؛ وجوانب مآخذهم؛ ولم يلبث أن يصوب اتجاهك إلى مبعث خلودهم؛ ومصادر عبقرياتهم؛ كل ذلك بهذه الطلاة وهذا الجمال وهذه الأريحية؛ وكل هذه الخصائص نجدها بارزة واضحة في هذه الفصول التي نشرها الدكتور حديثا في الأدب والنقد؛ وهي إن امتازت بشيء فهي تمتاز بأنها لم تقدم لنا شخصيات من العصر الجاهلي؛ أو الأموي؛ أو العباسي؛ مما يفصل بيننا وبينهم كثير من العادات والأذواق والنظرة إلى الحياة، بل تقدم إلى الشباب الذي يأخذ نفسه بالدراسات الأدبية شيوخه في الأدب؛ ومن هم في الطليعة ومن يحملون المشاعل لهدايته. ومن ذا الذي لا يحتاج من الشباب إلى أن يكون علمه عن شيوخه أتم وبصره بمذاهب تفكيرهم وشيات إنتاجهم أوفى؛ حتى يستطيع أن يتمثل كل ما يصدر عنهم تمثيلا صحيحاًً لأنه يتركز على دعائم من الدراسة التي تبرز طبائع كل منهم؛ ففي هذه الفصول تستطيع أن تقف على كثير مما كان يستتر عن فهمك مما يتعلق بهؤلاء الشيوخ. فأنت ستعرف كثيرا عن أمثال الأستاذ - أحمد أمين بك - وأدبه في رأي الدكتور، وستعرف عن الأستاذ - العقاد - والأستاذ - أبي حديد - وغيرهم ممن يكيفون النهضة الأدبية في الشرق؛ وتقف على اتجاهاتهم الفكرية وخصائص أقلامهم، كل هذا تظفر به من غير أن يشعرك الدكتور أنه سيعرض عليك شيئاً من هذا بل هو يجعل من - فيض الخاطر - مثلا - لأحمد أمين بك - سبباً للكتابة يعرج بك من هذا الجانب مرة؛ وذاك أخرى؛ ويرسم لك هذه الصورة ويدع لك هذا اللون وإذا بشخصية لا يند منها شيء ولا يخفى عليك منها خافية؛ ويسير على هذا النهج مع كل من عرض لهم في هذه الأحاديث؛