للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى يحصلوا على ما يريدون من الأصناف المطلوبة المرغوبة. وأنهم يستهترون ويحاربون الآفات التي تدنو من حرثهم وحيوانهم.

إلا إن الإنسان المنشود عالم معقد ليس الجسم الظاهر إلا وعاءه وقالبه! أما سره ومعناه ولبابه كما يريد رب الحياة من (النوع) فأمور لا تظهر إلى عالم الاجتماع إلا إذا اجتمعت لها عوامل الحياة الصالحة بنسب موزونة.

وإن الروح التي عنها يتحدثون هي نتيجة تفاعل الحياة الحيوانية في الجسم مع نتائج التربية والبيئة والتعليم وجميع المؤثرات. إنها كائن ينفصل عن الجسم كنتيجة وجود هذه العوامل الأرضية المختلفة. وإن من أدواتها ذلك اللوح الخفي السريع التأثر الذي ينطبع فيه ما يقع عليه، أو يتخايل أمامه من المؤثرات.

فالذين يلقون بذور الإنسان في الأرحام ولا ينتقونها قبل إلقائها، ولا يهيئون الجو الصالح وهي في مستودعها، ولا البيئة الصالحة وهي في نشأتها، ويتركونها هكذا تتداولها العوامل الطبيعية مصادفة؛ هؤلاء ينبغي ألا ينتظروا من الحياة أن تعطيهم تلك الوحدات الإنسانية المنشودة القريبة من الكمال في صفات نوعها.

والإنسانية ملك الفرد، والفرد ملك الإنسانية. وما كان من المستطاع أن يحصل الفرد الإنساني ما يحصله الآن من الأفكار والمعلومات والتجارب والأرزاق والمتاع لو أنه عاش فريداً متأبداً، أو لو أنه اعتزل حياة الاجتماع.

فنحن جميعاً بازاء بحار المعاني يأخذ كل فرد منا غرفة منها يلونها في إنائه الخاص، ثم يقدمها إلى غيره من الناس. وكلما أضيف فرد إلى المجموع زاد أفق من آفاق الحياة في الأرض. ولن يمكن أن يحل فرد محل آخر، فان كل ثمرة إنسانية لها سر خاص لا يرى في سواها. وإني ما أجلس مع فرد ما إلا أرى فيه صورة للدنيا لست أراها في مجلس مع غيره.

ومن العجيب أن كل فكر يريد أن يطبع الإنسانية على غراره ويحملها على حياة تصدق منطقه، مع أن التوزيع والتمايز بين الوحدات الإنسانية قانون مطرود.

وينطوي فكر كل فرد على صورة للدنيا غير الصور التي في أفكار الآخرين، فكل فرد يرى الدنيا من خلال نفسه، والأكوان عدد العقول.

<<  <  ج:
ص:  >  >>