للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأرض مستديرة، ومركزها في وسط الفلك، والهواء محيط بها من كل الجهات، وأخذوا عمرانها من حدود الجزائر الخالدات في بحر أقيانوس إلى أقصى عمران الصين) و (علموا أن الشمس إذا غابت في الصين كان طلوعها على الجزائر العامرة المذكورة التي في بحر إقيانوس. وإذا غابت في هذه الجزائر كان طلوعها في أقصى الصين. وذلك نصف دائرة الأرض، وهو طول العمران الذي ذكروا أنهم وقفوا عليه). ولعمري إن هذا تحديد دقيق لما يعرف اليوم جغرافيا نصف الكرة الشرقي.

وقال المسعودي أيضاً: (إن أقصى العمران في المشرق إلى حدود بلاد الصين والسيلي إلى أن ينتهي إلى بحر أقيانوس المظلم المحيط. وأقصى عمران المغرب ينتهي إلى بحر إقيانوس المحيط أيضاً).

فكأن الأقيانوس المحيط كان - بحسب ما عرفوه - متصلا من أقصى العمران في المشرق إلى أقصى العمران في المغرب. وهو ما يعرف اليوم جغرافيا باسم نصف الكرة الغربي.

وتواترت الأخبار قديما بأن بحر الظلمات هذا لا تدرك غايته، ولا يعلم منتهاه. وأنه بحر لا تجري فيه جارية ولا عمارة. جاء في كتاب الشريف الإدريسي - نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق - (ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم، ولا وقف بشر فيه على خبر صحيح، لصعوبة عبوره، وظلام أنواره، وتعاظم موجه، وكثرة أهواله، وتسلط دوابه، وهيجان رياحه. وبه جزائر كثيرة منها معمورة وغير معمورة).

وكان يعزز ما تواتر عليه الناس عنه، أسطورة مأثورة عن قدامى اليونان تقول بأن هرقل بنى أعمدة من النحاس والحجارة. حداً بين بحر الروم والأقيانوس. وعلى أعلاها كتابه وتماثيل مشيرة بأيديها أن لا طريق ورائي لجميع الداخلين إلى ذلك البحر المحيط. وأشار المسعودي إلى هذه النصب بما نصه. (وعلى هذا البحر المحيط مما يلي الأندلس، جزيرة تعرف بقادس مقابلة لمدينة شذونة. . وفي هذه الجزيرة منارة عظيمة عجيبة البنيان، على أعاليها عمود تمثال من النحاس يرى من شذونة وورائها لعِظَمه وارتفاعه. ووراءه في هذا البحر على مسافات معلومة تماثيل أخرى في جزائر يرى بعضها مع بعض، وهي التماثيل التي تدعى الهرقلية، بناها في سالف الزمان هرقل الجبار، تنذر من رآها أن لا طريق وراءها ولا مذهب، بخطوط على صدرها بينة ظاهرة ببعض الأقلام القديمة، وضروب من

<<  <  ج:
ص:  >  >>