للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والفنون.

تقوم هذه الشبهة على أساس أن المنطق الفكري هو الذي يغلب على كتابات العقاد. . . وهذا في الواقع هو مفرق الطريق في اعتقادي - بين من يفهمون ومن لا يفهمون. بل بين من يشعرون ومن لا يشعرون، حين يتذوقون الفنون!

أن للعقاد منطقاً قوياً جارفاً. . . هذا صحيح. . . ولكن أي منطق؟ إنه (المنطق الحيوي) كما عبرت عنه في مقالة سابقة في الرسالة منذ أكثر من عام. وذلك حيث أقول:

(مدرسة العقاد هي مدرسة المنطق الحيوي. والنسبة هنا إلى (الحياة) وإلى (الحيوية) جميعاً. . . إلى (الحياة) لأن مرد الحكم على كل قول وكل عمل هو ما تقوله الحياة وما تصنعه، ومنطقها هو المنطق المطاع في جميع الأحوال.

كلُّ ما تَصنعُ الحياة يُرجَّى ... من بنيها قبولُه واغتفارهُ

فإذا أنكروا قبيحاً ففي القب ... ح من الموت لونُه أو شعاره

وإلى (الحيوية) لأن مرد الحكم على كل قول وكل عمل هو باعثه، ومدى الحيوية في هذا الباعث. وقد تتشابه مظاهر الأعمال والأقوال، ولكنها تتفق في (الرصيد) المكنون لها من الباعث الحيوي، فيتوحد الحكم عليها. وقد تتفق مظاهرها، ولكنها تختلف في الرصيد، فيكون ذلك مناط الاختلاف). إلى أن جاء في ذلك المقال نفسه:

(ولقد كان العقاد - بما فيه من يقظة الحس وقوة الحواس - وشيكا أن يبذل إعجابه كله للحياة المحسوسة الظاهرة، وللحيوية المتدفقة في الحس والغريزة، لولا قسط من (الصوفية) - ولا يعجب أحد لهذه الكلمة - ففي العقاد إيمان عميق بقوة مجهولة تصرف الحياة والناس، وتسيطر على أقدار الفرد والنوع (والصوفية في أساسها البسيط هي هذا الإيمان بالمجهول). ولكن هذه القوة المجهولة التي يؤمن بها العقاد إنما تصرف الحياة والناس، وتسيطر على أقدار الفرد والنوع لمصلحة هذه الحياة نفسها، وللرقي بالإنسانية في معارج الكمال، لا لغرض آخر من الأغراض التائهة المجهولة. وهذا القسط من الصوفية - بهذا المعنى - يمتزج بالحيوية الحسية، فيخرج منهما مزاج جديد، فيه من هذه وفيه من تلك، على غير تحيز بينهما ولا انفصال.

(ولقد كان العقاد كذلك - بما فيه من صحو الذهن ويقظة الوعي - وشيكا أن يبذل قواه كلها

<<  <  ج:
ص:  >  >>