للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نتهاشها.

ثم يشرح الأفغاني غاية ما يرجو في قيام الوحدة، ومدى ما يطمع فيه من الوضع الذي تتحقق به فيقول: (لا ألتمس بقولي هذا أن يكون مالك الأمر في الجميع شخصاً واحداً، فإن هذا ربما كان عسيراً، ولكني أرجو أن يكون سلطان جميعهم القرآن، ووجهة وحدتهم الدين، وكل ذي ملك على ملكه يسعى جهده لحفظ الآخر ما استطاع، ويعتقد أن حياته بحياته، وأن بقاءه ببقائه، على أن تكون أول صيحة تبعث على الوحدة وتوقظ من الرقدة، صادرة من أعلاهم مرتبة، وأقواهم شوكة. .)، وهنا يبدو الرجل في الواقع حكيماً فطناً، وسياسياً عالماً ببواطن النفوس، فلم يركب الشطط في الطلب، ولم يسرف على نفسه وعلى الناس في الخيال، فيرجو وحدة يكون مالك الأمر فيها شخصاً واحداً، لأنه كان يعرف أن الأنانية المتسلطة على نفوس أهل السلطان لا تؤهلهم إلى إنكار ذاتهم ونسيان أنفسهم، ولا تسمح لهم بفناء أشخاصهم في شخص واحد من أجل مصلحة المسلمين ووحدتهم العامة، ولهذا وقف في رجائه عندما يسمح به الواقع، وتحود به الطبائع، ويكفي في تحقيق الغرض، ولعل الأفغاني لم يقتصد في وجه من وجوه الدعوة كما اقتصد في هذا الموضع الدقيق الذي كان يتعاظمه الناظرون في مسألة الوحدة، ويرونه عقدة المشكلة وعقبة الطريق، فتغلب عليها الرجل بالتغاضي عن مظاهر السلطان الشكلية، وإن كان أحكم الرباط المعنوي في القصد والغاية، والشعور والاتجاه، حتى يكون الجميع يداً واحداً، ووجهة متفقة، وقوة دفاعية لصد التيار الجارف، وهذا غاية ما تطلع إليه الآخذون بخطة الأفغاني من بعده، وهو الوضع الذي قام عليه (بروتوكول) الجامعة العربية وميثاقها في هذه الأيام.

وتحدث الأفغاني عن الأداة التي تهيئ للوحدة، وتجمع حولها العواطف والميول، وتغرسها عقيدة في النفوس وفي القلوب، وحاول أن يجد هذه الأداة في الصحافة التي كانت قائمة في أيامه، ولكنه لم يكن على ثقة بها، يراها قليلة الغناء والفائدة، وضرب المثل بما كان من سوء تأثيرها ودعوتها إلى التفرق والانقسام وتبديد بقايا الالتئام، وجعلها النوافذ والخصاص في بنيان الأمة أبواباً ليدخل منها الأجنبي، وكان هذا رأيه في ناشئة المدارس المدينة في مصر وتركيا لأنهم أضعفوا الأمة بدلاً من أن تنال بهم القوة والمنعة، وكل بضاعتهم التفيهق بألفاظ الحرية والوطنية والمدنية، وهم لا يدركون مغزاها ومرماها، ولا يقدرون

<<  <  ج:
ص:  >  >>