للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم تركنا البحر وطريق الساحل المؤدي نحو طرابلس بين جبال لبنان والماء، وعطفنا ذات الشمال، فضربنا في إقليم جبلي حتى لاح لنا عن يسارنا بعيداً حصن الأكراد منيفاً على الجبل، يتميز عن القمم ببياضه وارتفاعه. وهو حصن كبير قديم، شارك في خطوب الحروب الصليبية زمناً طويلاً. ويقول ياقوت:

(هو حصن منيع حصين على الجبل الذي يقابل حمص من جهة الغرب). وقال: (وملكه الفرنج وهو لا يزال في أيديهم إلى هذه الغاية، وبينه وبين حمص يوم. ولا يستطيع صاحبها انتزاعه من أيديهم.)

ثم سايرنا النهر الكبير الذي يسير حيناً مع حدود لبنان. وسألنا هناك كم بيننا وبين حمص، فقيل: أربعون كيلا. وجاوزنا بعد قليل تل كلح، وهي قرية صغيرة على سكة الحديد بين حمص وطرابلس.

والآن نطوي الطريق قراه ومزارعه لنستقبل جنات العاصي الناضرة تحي القادم إلى حمص وتبشره بدخولها.

ودخلنا حمص نضرها الله والساعة اثنتان من المساء.

فبدأنا بزيارة الزعيم الكبير السيد هاشم الأتاسي، رئيس الجمهورية قبلاً. وكانت رؤيته بلوغ أمل قديم. فنعمنا بالحديث معه في داره على قدر ما وسع الوقت الضيق. ثم خرجنا إلى الروضة، إحدى حدائق حمص العامة، وكان في ظلال الشجر أخذنا بأطراف الحديث، ثم اجتمعنا على المائدة.

وتكلم هناك الأستاذ عارف النكدي، وتلوته بكلمة. وكان لا بد لي أن أتكلم في حمص إعراباً عما جاش في نفسي من ذكر الماضي والحاضر حين دخلتها، ومما قلت:

(يملأ نفسي إعجاباً وروعة وفخاراً، أن أقف على مقربة من أعظم تمثال للبطولة المجاهدة المخلصة المطيعة، ضريح خالد بن الوليد رضى الله عنه. . .

ياقومنا، إن الفرصة قد سنحت، والزمان ضنين بفرصه، والفرص سريع مرورها، فاحذروا أن تناموا والخطوب يقظي، أو تبطئوا والزمان يسرع، أو تقفوا والفلك يدور، أو تهزلوا والزمان يجد. ألا إن تكاليف المجد شاقة، ومطالبه صعبة، وغاياته بعيدة، ولكن في ضمان العزائم المجتمعة، وفي كفالة النفوس الأبية تذليل الشاق، وتيسير الصعب، وتقريب البعيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>