للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تلك الحديقة هي جنينة المارد التي اعتاد الصبية أن يلعبوا فيها بعد ظهر كل يوم إثر انتهاء وقت المدرسة. وكثر ما كان أولئك الصبية يقفون ألعابهم ليصغوا إلى أغاريد الطيور العذبة التي كانت تنبعث من بين الأغصان. ولكم كان يخاطب بعضهم بعضاً: (ما أسعدنا هنا!)

عاد المارد من زيارته لصديقه عفريت (كورنول) التي استغرقت سبع سنوات تحدث فيها إليه بما طاب له من الحديث. فلما قدم إلى قصره ورأى الأطفال يلعبون في الحديقة انتهرهم قائلاً: (حديقتي! حديقتي! كل فرد يستطيع أن يفهم ذلك، ولن أسمح لأحد أن يلعب فيها). فلاذ الأطفال بأذيال الفرار.

وعلى أثر ذلك أحاط الحديقة بسور عال علق عليه لوحة أعلن فيها أن كل من ينتهك حرمة حديقته بدخوله إليها يحاكم. فكان بذلك مثال المارد الأناني.

لم يكن للصبية مكان يلعبون فيه. حاولوا أن يلعبوا في الطريق، ولكنها كانت مملوءة بالحجارة القاسية والتراب، فلم ترق لهم؛ فصاروا يطوفون بجدران الحديقة آسفين على تلك الأيام السعيدة التي قضوها فيها.

ورد الربيع وأخذت الأزهار تشقق عن أكمامها، والطيور تغرد على الأفنان في طول البلاد وعرضها. ولكن الشتاء ما زال ضارباً بجرانه فوق جنينة المارد الأناني. فقد أنفت الطيور أن تغرد على أشجارها والأطفال بعيدون عنها، ونسيت الأشجار أن تزهر.

نجمت زهرة من بين الأعشاب اتفاقاً، فلما رأت الإعلان أسفت لما حل بالصبية فعادت أدراجها الى بطن الأرض. ولم ينعم بتلك الجنينة في غياب الأطفال سوى الثلج والصقيع اللذين استبشرا قائلين: (هجر الربيع هذه الجنينة وسنتمتع بها طيلة السنة.)

غطى الثلج أعشابها ببساطه الأبيض، وصبغ الصقيع الأشجار بصبغة الفضة. وما لبثا أن دعوا (الريح الشمالية) لتشاطرهما الإقامة في تلك الحديقة فلبت الريح الدعوة مزملة بالفراء، وأخذت تزأر طيلة النهار فتقتلع المداخن وتطوح بها.

(هذه بقعة جميلة. فلندع البَرَد إلى زيارتنا.) وسرعان ما لبى (البرد) الدعوة فصار يقارع سطح القصر ثلاث ساعات متتاليات يومياً ثم يجري بعد تحطيم كثير من البلاط حول الجنينة مزبداً.

(لا أدري لماذا تأخر قدوم الربيع: على أين وطيد الأمل بأن الجو سيتغير). بمثل هذا كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>