للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن العلوم اليوم أوربية وأمريكية ما في ذلك شك. وإن الفروق التي باعدت بين الشرق والغرب في مدلول الإنسانية الراقية إنما يجمعها كلها لفظ العلم. وهذا العلم الذي يسخر السموات والأرض للإنسان الضعيف، ويذلل القطعان الملايين للراعي الفرد، سيبقى غريباً عنا ما لم ننقله إلى ملكنا بالتعريب، ونعممه في شعبنا بالنشر؛ ولا يمكن أن يصلنا به أو بديننا منه كثرة المدارس ولا وفرة الطلاب، فإن من المحال أن ننقل الأمة كلها إلى العلم عن طريق المدرسة، ولكن من الممكن أن ننقل العلم كله إلى الأمة عن طريق الترجمة.

فالترجمة إذن يا معالي الوزير هي الوسيلة الأولى لدفع القصور عن اللغة، وسد النقص في الأدب، وكشف الظلام عن الأمة. وبحسبنا أن ننقل معجماً من المعاجم العلمية الأوربية لتصبح لغتنا كاملة وثقافتنا شاملة؛ فإنا مضطرون في أثناء الترجمة أن نضع المصطلحات الحديثة لكل علم وفن، فلا يتم المعجم حتى تتم اللغة. وإذا نقلنا إلى العربية نتاج القرائح لأقطاب العلوم والفنون والآداب من الإنكليز والأمريكان، والفرنسيين والألمان، والروسيين والطليان، أصبح هؤلاء العالميون جزءاً من كياننا الأدبي، وركناً في بنائنا العلمي، نعتز به ونستمد منه ونفتت فيه ونزيد عليه، كما فعل آباؤنا الأقدمون بما نقلوه من علوم الإغريق والهنود واليهود والسريان والفرس.

لذلك أرى - ورأيك الأعلى - أن تنشأ دار للترجمة مستقلة عن ديوان الوزارة، يكون لها من جلالة القدر ونباهة الذكر ما للجامعتين؛ فإنها على اليقين ستكون جامعة شعبية لا تقل عنهما في الخطر والأثر؛ أو قل إنهما الميدانان المتقدمان وهي مركز التموين الذي يمدهما بالميرة والذخيرة والمدد. ثم يختار لها مائتان على الأقل من المترجمين النابغين في لغتهم وفي اللغات الأوربية الثلاث، ينقلون الآداب الأجنبية نقلاً كاملاً صحيحاً، فلا يدعون علماً من أعلام الأدب والعلم والفن والفلسفة إلا نقلوا كتبه ونشروها على حسب ترتيبها وتبويبها في طبعاتها الأصلية.

هذه الدار ستنقل إلى العربية كل يوم أربعمائة صفحة مصححة منقحة مهيأة للنشر، قد تكون كتابين أو كتاباً أو جزءاً من كتاب على حسب النظام الذي يوضع لها. فإذا فرغت من ترجمة الموجود فرغت لترجمة المستجد، فلا يكون بين ظهور الكتاب في أوربا وظهوره في مصر إلا ريثما يترجم هنا ويطبع. أما نفقات الدار فلا تزيد على مائة ألف جنيه؛ وقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>