وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية. .) ومضيت تستشهد لكل حالة بالأمثال مفسراً شارحاً موضحاً، ولم تقتنع بذلك فتوثبت للبحث عن القواعد التي يقوم عليها هذا التصوير المعجز من التخيل الحسي والتجسيم في فيض من الأمثال والشواهد. ثم لم تقنع بما فتح الله عليك من سحر هذا الفيض الإلهي فقلت (حينما نقول إن التصوير هو القاعدة الأساسية في تعبير القرآن وإن التخيل والتجسيم هما الظاهرتان البارزتان في هذا التصوير لا نكون قد بلغنا المدى في بيان الخصائص القرآنية عامة ولا خصائص التصوير القرآني خاصة. . . هنالك التناسق الذي يبلغ الذروة في تصوير القرآن.) فكان هذا الفصل الذي بلغت به أنت أيضاً الذروة في النقد والذوق والفهم. كنت أود لو أستشهد ببعض ما جاء في كتابك من النقد التطبيقي للآيات الكريمة، ولكن تضيق عن ذلك كلمتي الموجزة ويأباه ذوقي الذي يأبى المفاضلة بين آي الذكر على أي وجه من الوجوه. ومهما يكن من أمر فينبغي أن أقرر هنا أنه في فصلي (التناسق الفني) و (القصة في القرآن) قد بارك القرآن مجهودك فرفعك إلى مرتقى يتعذر أن يبلغه ناقد بغير بركة القرآن. .!
أما أخرى الفائدتين: فهي لك أنت! لأن الكتاب في جملته إعلان عن مواهبك كناقد. إنك تستطيع أن تعبر أجمل التعبير عن أثر النقص في نفسك، ولا تقف عند هذا فتجاوزه إلى بيان مواضع الجمال في النص نفسه وما يحفل به من موسيقى وتصوير وحياة، ثم تستنطق الموسيقى أنغامها وضروبها، وتستخبر الصورة عن ألوانها وظلالها، وتستأدي الحياة حرارتها وحركتها. ولا تقنع بهذا كله! فيقرن ذهنك بين النص والنص، حتى تظفر وراء الظواهر بوحدة، وخلف الآيات بطريقة عامة، تجعل من الكتاب شخصاً حياً ذا غاية واضحة، وسياسة بارعة، وخطة موضوعة، تهدف جميعاً إلى الإعجاز الفني فتناله عن جدارة. فهذا ذوق جمبل، وتذوق عسير وفكر ذو نفحة فلسفية. . .
والآن اسمح لي أن أوجه إليك سؤالاً، وأن أسوق ملاحظة: أما السؤال: فإنك تحدثت عن التصوير والتخييل والتجسيم والتنسيق الفني، وكل أولئك روح الشعر ولبابه قبل أي شيء آخر، أفلم يخطر لك أن تحدد نوع كلام القرآن على ضوء بحثك هذا؟ وأما الملاحظة فعن الفصل الذي خصصته للنماذج الإنسانية، فقد وجدت فيما استشهدت به آيات ما يعبر عن