في الإجادة فيه النهاية، وما علقت مستدركاً بل معيداً ومردداً، وليكون لي في هذه الدعوة المباركة نصيب.
ولقد عادت بي مقالة الأستاذ إلى أيامي الخوالي حين قرأت قصة (رفائيل) أول مرة، بإذن من أستاذنا شيخ أدباء الشام سليم الجندي، وكان يحرم علينا أن نلم بشيء من الأدب الحديث أو ننظر في جريدة من الجرائد، قبل أن نتمكن من الأدب القديم، ونألف الصياغة العربية، وتستقيم ملكاتنا على طريق البلاغة السوي خشية أن تدخل جراثيم العجمة إلى أسلوبنا، وأن يفشو الضعف في بياننا، فلما سألته عن قصة رفائيل غداة صدورها هل أقرئها؟ نظر فيها ثم أذن لي بقراءتها لأنه رآها بليغة الأسلوب، صافية الديباجة، سليمة اللغة، سامية البيان، فكانت أول ما قرأت من الأدب الحديث بعد (النظرات) ولا والله لا أستطيع أن أصف أثرها في نفسي ولا في خيالي ولا في قلمي، ولا أملك حتى الإلمام بذلك إلماماً، لأنه شيء فوق الوصف وإنما أعترف أنها أحد المصنفات القلائل التي كانت غذاء أدبي من الكتب الجديدة، بعد أن غذيته بأمهات كتب الأدب القديم. وقرأت (آلام فرتر) فكان لها مثل ذلك الأثر؛ ثم افتقدت هذا اللون من الأدب فلم أجده؛ ثم وجدت شبهه في مثل (عطيل) مطران و (مرجريت) زكي و (فاوست) عوض وإن كانت هذه من قماش وتلك من قماش، وإن اختلف النسيج وتغيرت الديباجة، وأمثال (تأبين فولتير) التي نقلها (المنفلوطي) إلى العربية بقلم أحسب لو أن (هوغو) كان عربياً ما كتبها بأبلغ منه؛ كما أن لامارتين لم يكن ليكتب قصته ولا جونت كتابه، خيراً مما كتبهما الزيات ولو خلقا عربيين من أبين العرب وإني حين أقرأ اليوم هذه الروائع من أدب الغرب مترجمات في (روايات الحبيب) مثلاً أكاد أخرج من ثيابي غيظاً وغضباً لهذه المعاني الكريمات تجيء في هذه الكلمات، وأسفاً على هذه العرائس الفاتنات تخرج في هذه الثياب الأخلاق الباليات. وأفكر لو أن الله قيض لقصة (ذهب مع الريح) مثلاً أو (الفندق الكبير) أو (الأم) وأمثالها الكثيرات من عبقريات القصص العالمية التي ترجمها كتاب روايات الجيب، ونشكرهم على كل حال على حسن اختيارها، وبذل الجهد فيها، إذ لم يدخروا في التجويد وسعاً؛ لكن البلاغة درجات، والكتاب طبقات؛ لو أن الله قيض لها قلماً لدناً قوياً، لا يضعف فينكسر ولا يقوى فيؤذي، فترجمت بأسلوب عذب بليغ، لا يصح من غير جمال فيجف ويجمد، ولا يجمل من