للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا يخجل الخنزير الصغير أن يلتفت إلى الباب!

أكنا نستطيع عندئذ أن نمنع أنفسنا من الضحك؟ كلا، لقد كنا نضحك بأفواه ألفت الضحك منذ عهد بعيد. ثم يشجع ويهدأ، ويقرب مجلسه منا، ويحدثنا، ويبكي كتبه العزيزة التي خلفها على المنضدة، وأمه واخوته الصغار، الذين لا يدري أأحياء هم أم أهلكهم الروع والأسى.

أبينا قرب النهاية أن نتصل به. ولما بدأ الإضراب عن الطعام أصابه الفزع، فزع مضحك لا سبيل إلى وصفه. وكان من الجلي أن الخنزير الصغير المسكين نهم تلقامة، وكان شديد الخوف من رفاقه ومن السلطات أيضاً. فجعل يهيم بيننا جزعاً، يمسح بمنديله جبينه الذي نضج عليه شيء لا أدري أهو الدمع أم العرق ثم سألني متردداً:

- هل ستضربون طويلاً عن الطعام؟

فأجبته بغلظة:

- سنضرب طويلاً.

- أو لا تأكلون أي شيء خفية؟

فأجبته بجد وكأني أوافقه:

- سترسل إلينا أمهاتنا الفطائر.

فنظر إلي مرتاباً، وأومأ برأسه وذهب وهو يتبهد.

وفي اليوم التالي أجاب وقد أخضر لونه من الجوع فصار كلون الببغاء:

- أيها الرفاق الأعزاء! إني سأصوم معكم.

- فأجبناه بصوت واحد: صم وحدك!

ولقد صام! لم نصدق ذلك كما أنك لن تصدقه. فظننا أنه يأكل بعض الأشياء خفية، وكذلك ظن حراسنا. فلما أصابه تيفوس المجاعة في أخريات الإضراب عززنا أكتافنا وقلنا:

- يا للخنزير الصغير المسكين!

ولكن واحداً منا - ذلك الذي لم يضحك قط - قال واجماً:

- إنه رفيقنا. فلنذهب إليه.

كان يهذي وكان هذيانه المضطرب يثير الإشفاق كما كانت حياته كلها. كان يتكلم عن كتبه

<<  <  ج:
ص:  >  >>