العصبة. ولكنها كانت خطوة نظرية أيضاً، وكان اسطع دليل على عبثها إقدام فرنسا في الوقت نفسه على احتلال وادي الروهر لإرغام ألمانيا على أداء تعويضات الحرب، وما قامت به يومئذ من المظاهرات العسكرية الضخمة. بيد أن الدول البحرية استطاعت أن تتخذ من جانبها خطوة عملية لتحديد التسليحات البحرية، إذ عقدت في واشنطون (سنة ١٩٢٢) مؤتمراً بحرياً شهدته بريطانيا العظمى وأمريكا وفرنسا واليابان وإيطاليا، وعقدت فيها بينها ميثاقاً حددت فيه نسب التسليحات البحرية لكل منها؛ فكان لهذا الميثاق اثر كبير في تلطيف المنافسة البحرية بينها.
ولما هدأت أعصاب الأمم الغالبة نوعاً وسوي كثير من المشاكل التي خلقتها الحرب، واتخذت مسألة نزع السلاح أهمية خاصة، ولكنها قرنت يومئذ بمسألة القومية والتحكيم باعتبارها مسائل ثلاثة لا يمكن التفريق بينها. وكانت فرنسا دائماً من اشد الدول تمسكاً بالجمع بين المسائل الثلاثة. وأخذت عصبة الأمم بهذه النظرية، وانتهت إلى وضع بروتوكول جنيف الشهير (سنة ١٩٢٤)، وفيه نص على مشروعية الحرب إلا في بعض الأحوال وعولجت مسألة السلامة ومسألة التحكيم؛ ولكنه رفض من جانب بريطانيا العظمى لأنه لم يعالج مسألة نزع السلاح، ونص من جهة أخرى على جعل عصبة الأمم هيئة دولية لرقابة التسليح نزولاً على النظرية الفرنسية؛ وفي سنة ١٩٢٥ عقد ميثاق لوكارنو لتأمين منطقة الرين بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى وإيطاليا، وحلت بذلك مسألة السلامة القومية نوعا، ولكن الميثاق كان محدود المدى والاثار، ولم يتعرض بشيء لمسألة نزع السلاح. بيد أن عقده كان عاملاً كبيراً في صفاء الأفق الدولي، والتقريب بين ألمانيا والحلفاء، وبث روح من التفاهم بين خصوم الأمس لم تعرف منذ معاهدة الصلح.
وكان هذا التفاهم مشجعاً لعصبة الأمم على التقدم في معالجة مشكلة نزع السلاح، خصوصاً بعد أن انضمت ألمانيا إلى العصبة. ففي سنة ١٩٢٦ انتدبت العصبة لجنة تمهيدية لتنظيم مؤتمر عالمي لنزع السلاح؛ وأنفقت هذه اللجنة جهوداً كبيرة في بحث المسائل الفنية المتعلقة بأنواع الأسلحة والذخائر وعدد الجيوش والجمعيات العسكرية. وبدئ منذ العام التالي بعقد مؤتمر السلاح الذي استمر يعقد كل عام مرة أو اكثر حتى يومنا. ومن المستحيل أن نتتبع في هذا المقام الضيق أعمال مؤتمر نزع السلاح خلال الأعوام الأخيرة،