للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى) وإذا ربه يلومه ويقول في لومه (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى، كلا إنها تذكرة). عند ذلك ذكر النبي قوم قريش وما كان بينه وبينهم من حديث، وهتف هاتف كأنه عمرو بن قيس يقول: أقرئني وعلمني مما علمك الله، وتصور النبي حال الرجل يسأل وليس من مجيب، ويقف وليس من يأذن له بالجلوس؛ ولكنه لم يكن يدري انه أساء إلى الرجل أو قصد إلى إساءته، فليس النبي من يسيء إلى أحد، وليس النبي من يصد عن الناس بله عن السائلين، ونما شغله أمر ربه فاشتغل عن عمرو واقبل على سادة قريش، فألهاه حرصه على إسلامهم وهم كفرة عمن اسلم، ونما يريد أن يقرأ وأن يستزيد من العلم. وبات النبي ليلته مسهد الجفن قلقاً، يفكر فيما سمع من ربه، وفيمن عبس بالأمس في وجهه، واعرض عنه، حتى إذا طلع الفجر كان النبي يلتمس ابن أم مكتوم يلقاه هاشاً باشاً، يسلم عليه ويشد على يده ويقول له: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي؛ وكان النبي يلقاه بعد ذلك فيكرمه ويسأله حاجته، وكأنما أراد الله أن يصبح إعراض النبي عنه إقبالاً عليه، وان يغدو عبوس النبي في وجهه بشاشة له وارتياحاً للقائه، وإذا عمرو ابن قيس مؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا عمرو بن قيس خليفة رسول الله على المدينة، لم يستخلفه النبي عليها مرة أو مرتين، ونما استخلفه عليها في غزواته ثلاث عشرة مرة، وإذا النبي يخرج إلى الحجة الوداع فلا يستخلف على المدينة إلا عمرو بن قيس. وكان حقاً قول المصطفى: أدبني ربي فاحسن تأديبي

محمد قدري لطفي

<<  <  ج:
ص:  >  >>