ولا أدري يا أخي السر في اختيارك هؤلاء الثلاثة من المسلمين بأعيانهم مع كثرة ما كتب عنهم ونشر فيهم. فهلاَّ كتبت عن أبن زهر والرازي وابن بطلان أو غيرهم مما لا يعرف الناس عنهم إلا قليلا. ولم تختار طريقاً معبَّداً وأنا ما عرفتك إلا مجتاز الصخور والوعور؟؟
وهل بين الذين كتبت عنهم غرض يؤلف بينهم، أو غرض أتفق لك في الكتابة عنهم؛ أم هي أشتات من الشخصيات لا يؤلف بينها غرض ولا يجمع بينها إلا كلمة الفلسفة؟؟
ولا يزال (ميزانك) يا أخي في تقديم الكتاب وحفظ النَّسب بين فصوله فيه كثير من السخاء في موضع، والشح في موضع. فإن الفصل الذي كتبتَه عن آثار الفلسفة الإسلامية في الفلسفية المسيحية واليهودية لا يشفي غليلاً. فقد أوجزتَ فيه إلى حد لا تغفره لك عربيتك وإسلامك، ولا يغفره لك الإنصاف العلمي التاريخي، على الرغم من إعلانات أنك لا تنتحل الأسباب للإشارة بفضل المسلمين على غير حق. فقد كتبته في صفحتين ونصف صفحة على حين خصصتَ (ديكارت) بأربعين صفحة من الكتاب.
وما كنتَ يا أخي منصفاً للعرب حين قلتَ في هذا الفصل (ولعل أسبينوزا عرف شيئاً من نظريات العرب عن طريق موسى ابن ميمون). وإيراد الخبر على هذا الأسلوب يورده موارد الشك على حين أن يورده مورد اليقين في كتابه:
ولقد ذكرت يا أخي أن (هيوم) نشر كتابه (رسالة في الطبيعة البشرية) سنة ١٧٤٠. وليس الحق كله معك في هذا. . . فإن (الطبيعة البشرية) ظهرت في يناير سنة ١٧٣٩. في مجلدين؛ أما الذي نشر سنة ١٧٤٠ فهو المجلد الثالث وموضوعه مبادئ الأخلاق.
وذكرت أن (هيوم) بعد رحلته في فرنسا عاد إلى أدنبره فقضي فيها آخر سني حياته. وهنا طفرة في التاريخ لا أظنها خفيت على علمك. فقد عاد من فرنسا إلى أدنبره - كما تقول - ولكنه تركها إلى لندن موظفاً كبيراً في وزارة الخارجية فقضي فيها سنتين ثم أستقر آخر الأمر في أدنبره سنة ١٧٦٩
أما السياسة عند ابن سينا وكتابه فيها فلم تتعرض لها ولا له!! وأنا أعرفك يا أخي بعيداً عن السياسة المصرية بطبيعة وظيفتك وطبيعة نفسك التي ترسل الابتسامة المرة لما تقع