ألا تتصور الرب (سليمان) هذا يعود إلى موطنه في جبال العلويين، يشيد بفرنسا وعظمتها ويسبح بحمدها وقد يشم من الشبع على موائد الغاصبين، وانتفخ عظمه كاذبة من ثناء الخادعين، واكتظت حقيبته بالمال والهدايا ثمناً لضميره الذي بيع للمستعمرين؟
إن فرنسا تتدخل في الصغيرة والكبيرة من أمور هذه البلاد، فلا تدع لأبنائها مجالاً للتفكير والتدبير، والموازنة والتقدير، تريد عقولهم مشلولة أو مخبولة، أو قل إنها تريد أن تفنيهم معنوياً، وتجعلهم بعد جيل أو جيلين لا يحسون ولا يدركون ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، يدبر أمرهم وهم في غفلة ساهون
وُيقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ... ولاُ يستأذنون وهم شهود
وهكذا شأن الجزائر اليوم، فلا حول ولا قوة إلا بالله!
فهل بعد هذا تعجب حين تقول هذه العجوز:(إنها من عرب فرنسا)، إنها من عرب ملك لفرنسا تفعل بهم ما تشاء أو أنهم على وشك أن يكونوا كذلك، تسومهم الخسف وسوء العذاب، وتسلبهم حرياتهم، وتفرقهم أباديد، وتقتل فيهم الحياء والإباء، والمروءة والوفاء.
فقلت: وكيف يرضى أهل هذه الديار بهذا؛ وعهدي بأهل الشام أولي نجدة وحمية، وغيرة متقدة وحماسة ملتهبة، ووطنية متأججة. لهم تاريخ حافل بصفحات المجد والفخار، وفيهم حيوية متدفقة وذكاء فطري عظيم.، وحرارة إيمان شديدة. ثم هم أحفاد الغسانيين، والعرب الفاتحين. وأهل جبال فيهم مراس وبأس، وصبر واحتمال، ونزوع إلى المخاطرة والمغامرة، لا يبالون بالشدائد والأهوال في سبيل أهدافهم، فكيف رضوا بغير الاستعمار؟
فقال صاحبي: إن الاستعمار دنس، يلوث النفوس الطاهرة، ويوهن العزم القوي، ويفتن القلب الأبي، ويضل العقل الذكي. إنه امتهان للإنسان وكرامته، وانحطاط إلى مرتبة الرق، وأوربا قد حاربت الرق الفردي، ولكنها استباحت الرق الجمعي. فخرجت سوريا من الحرب الماضية منهوكة القوى من الجوع والجهل والضعف، وطمعت فيها فرنسا، فأبى فيصل واتباعه على ما بهم من وهن أن يكونوا طعمة هينة، ثم كانت موقعة (ميسلون) وبسطت نفوذها على الشام، وقطعتها إرباً إربا، فشرق الأردن، وفلسطين، ولبنان، وجبال العلويين، وجبال الدروز، والإسكندرونة، وإنطاكية. وجعل لكل جزء رئيس، وصار لكل رئيس أذناب وأتباع، يطمعون في المناصب والجاه الكاذب. وبذلك ذهبت قوة بلاد الشام في