بين الحين والحين، ولكن أخاها قطع عنها مراسلاته ولم تعد تعلم عنه شيئاً. ولم يبق لها ما يربطها بالماضي البعيد إلا صورة لأمها. . . وحتى هذه قد بهجت معالمها من أثر الرطوبة في المدرسة ولم يبق منها إلا شعر الرأس والحاجبان.
كانت ماريا - في أثناء الطريق - تفكر في مدرستها وفي الامتحان الذي سيقع في القريب وفي البنت والأولاد الأربعة الذين سترسلهم إليه. وبينما هي مسترسلة في أفكار الامتحان أدركها أحد الجيران من كبار الملاك - رجل يدعي هانوف - في عربة تجرها أربعة جياد وكان بعينه الرجل الذي امتحن تلاميذها في العالم الفائت. فلما رآها عرفها وانحنى لها محيياً وهو يقول:(صباح الخير. أنت عائد إلى المدرسة فيما أظن)
كان هانوف هذا في الأربعين من عمره؛ رجلا بارد العاطفة يبدو في وجهه اثر الإجهاد وكان الهرم قد بدأ يدب غليه ولكنه مع ذلك وسيم محبوب من النساء.
وكان يعيش في منزله الكبير بمفرده - ولم يكن موظفاً - وكان الناس يقولون عنه إنه لا يصنع شيئاً في المنزل إلا أن يروح ويجئ في الغرفة وهو يصفر بفمه أو يلعب الشطرنج مع سائق عربته ويقولون كذلك إنه مدمن للشراب، وهذا حق، فقد كانت الأوراق التي أحضرها معه في الامتحان تفوح برائحة الخمور. . . وقد كان في ذلك مرتدياً ملابسه الجديدة وبدا في عيني ماريا وجيهاً جذاباً، وكانت طوال جلستها إلى جانبه في غمرة من الانفعالات والأحاسيس. لقد تعودت أن ترى ممتحنين غلاظاً حفاة، وآخرين معقولين معتدلين، ولكن هذا كان نموذجاً فريداً فلم يكن يدري في أي موضوع يسأل! ولم يكن يعطي التلاميذ أقل من الدرجة النهائية!
قال موجهاً كلامه إلى ماريا فاسيلفينا:(إنني ذاهب لزيارة باكفست ولكني أخبرت أنه ليس في المنزل)
ثم انحرفوا عن الطريق الصاعد في الجبل إلى طريق جانبي يؤدي إلى القرية، وكان هانوف في المقدمة يليه سيميون. وكانت الجياد الأربعة تتحول بسرعة ضئيلة وهي تجر وراءها العربة الثقيلة وسط الأوحال، أما سيميون فقد كان يتأرجح من جانب إلى جانب في الطريق وكثيراً ما كان ينزل من العربة ليساعد حصانه الهزيل
كانت ماريا فاسيلفينا ما تزال تفكر في المدرسة وفيما إذا كانت أسئلة الحساب ستأتي مناسبة