كل ما في الوجود يحفزنا لان نقضي على الأمية في بلادنا بكل الوسائل الممكنة، فالحكومة سائرة في طريقها من ناحية، ولكن أعباء تفريج الأزمة الاقتصادية قد لا يسمح لها ببذل الوسع في هذا السبيل، فلا بد من عامل جديد يتناول ما لا تمتد يدها إليه، وهذا العامل هو ما فكرت فيه الشبيبة المتعلمة تحت قيادة رجال مثقفين من العمل على تعليم القرويين، وتقويم أخلاقهم، واشراكهم في ثمرات العرفان الذي نالوه، ليكون اتصال أجزاء المجتمع بعضه ببعض حاصلاً ومنتجاً للغاية التي تتوخاها جميعاً، وهي أن تأخذ الأمة المصرية مكاناً بين الأمم يسمح لها أن تشاطرها العمل في خدمة الإنسانية، وإبلاغها أقصى ما ترجوه من الكمال العالمي المنشود.
هذه النزعة من الشبيبة المتعلمة ليست بثمرة تفكير عميق فحسب، ولكنها نفحة من روح الاجتماع تنزلت على اكثر النفوس حساً، وأدقها شعوراً، فحركتها إلى الوجهة التي سلكتها كل أمة نهظت قبلنا نهوظاً ثابتاً مضطرداً. فهذه النفحة التي تجعل عملنا هذا أشبه بالأمور الطبيعية الاضطرارية، منه بالأمور التفكيرية الاختيارية، وهي في الوقت نفسه تدل على أن المجتمع المصري اصبح حاصلاً على جميع المقومات الاجتماعية التي تجعل منه جسماً مترابط الأعضاء، متكافل القوة، متماسك الأجزاء، متأثراً بحياة صحيحة تدفعه النهوض دفعاً طبيعياً متزناً لا تقوى العوامل المحللة على صرفه عنه مهما تسلطت عليه.
فإذا كان اكثر محاولاتنا التي أنتجها التفكير المحض قد حبطت فأن هذه المحاولة الأخيرة التي بعثت إليها روح الاجتماع لا يجوز عليها الحبوط، بل هي ستتطور في أدوار التكمل حتى تبلغ ما بلغته أمثالها في الأمم التي سبقتنا إلى الكمال المدني.
ان جميع الأمم التي ضربت في المدنية بسهم قد ألهمت هذه الطريقة في إيقاظ عامتها، وإشراكها في نعمة الحياة الأدبية، فأن الإنجليز قد نشطوا بتعليم الشعب نشاطاً كانوا فيه المثل الأعلى، إذ تطوعت الطبقة المتعلمة لتعليم الطبقة الجاهلة، فأسسوا الدور الأهلية لتعليم الليلي وإلقاء المحاضرات التي تعين على ترقية مستواهم الأدبي. وكذلك فعل الأمريكانيون والالمان وغيرهم. وفي ألمانيا اليوم حركة اكبر لزيادة رفع المستوى الأدبي لأهل القرى بعد أن نجحوا في رفع الأمية عنهم، علماً منهم بان كل عمل يبذل في سبيل إصلاح القرى، وتحبيب سكانها لأهلها، وترقية مداركهم، يعود بأكبر النفع على مجموع