عند قمة الجبل أمتع النظر بأبهج وأروع ما رأيت من مفاتن يقظة الشمس. وحدث في صبيحة أحد الأيام، أني ما كدت أتخطى عتبة حجرتي حتى تقدم أحد غلمان الفندق فألقى إلى كتاباً فيه دعوة من السيدة والدة الآنسة (سمسم) إلى مقابلتها عند ربوة (النبي إيليا) وهي ربوة ليست بعيدة عن الفندق تكتنفها أشجار الصنوبر وتحجب الجالسين فيها عن الأنظار.
سيدة مهيبة الطلعة يبرز وجهها الحافظ لنضارته ولونه كلون ضوء القمر من وسط هالتين من شعر أسود فاحم، وثوب أسود يستر أكثر أجزاء الجسم، هذه السيدة والدة (سمسم) هي التي دعتني للكلام معها في حادث صديقي.
شرحت لتلك السيدة المحترمة العاقلة مبلغ معرفتي بصاحبي الدكتور واعترفت لها بأن لا سلطان لي عليه إلا حق دعوته إلى الاصطبار والتريث ريثما ينقضي فصل الصيف ونعود إلى مصر.
قالت: أخشى أخباراً تتسرب إلى مصر تنقل محرفة فيتقول الأشرار عن العائلة ما لا ترضاه، ودعتني بإلحاح إلى معاونتها في إقصاء صاحبي عن ابنتها التي شهدت بطيبة قلبه وكريم شمائله كما ستعمل هي من جانبها على ردع ابنتها بالحسنى عن التمادي في صداقة رجل لم نعرفه بعد.
لم يكن في وسعي استجابة طلب السيدة وقد أدركت من كلامها أنها وإن كانت غير راضية عن صلة ابنتها بالرجل ولكنها غير غاضبة عليها، وقد صارحتها الرأي قائلاً بأني لا أطيق أن أباعد بين قلبين يتدانيان، ولا أعمل مطلقاً على نصب حواجز بينهما. وقد شعرت عند تركي إياها بأنها مقدرة موقفي وتصرفي.
مدت يدها لوداعي، فقبلت تلك اليد ووددت لو ألصق شفتي بظهر كفها طويلاً لإبلاغها مدى احترامي لها وإكباري إياها.
السيدة جميلة تستر جمالها بالحزن، حدثتني عن ابنتي الوحيدة بلسانين من العاطفة الحنون والعقل الراجح. إنما هي محزونة مفجوعة، لا بزهرة من زهرات الحب، بل بباذر وبذور الحب، بزوجها وهي الوفية لعهدة بعد الموت. هي أم ترضى لابنتها زوجاً له بعض مزايا المرحوم زوجها في الانكباب على قراءة الكتب.
لم يعد صاحبي في حاجة إليّ ولا إلى كتبه فقد تركها لي هدية المستغني، ولم يكن ظرفي