الطريق، وما تذرع به لدخول الجنة، إذ يحاور تميماً بن أبي ويسأله عما يريده بكلمة (المرانة) من قوله:
يا دار سلمى خلاء لا أكلفها ... إلا المرانة حتى تسأم الدنيا
فيجيبه تميم بان الحساب العسير أنساه كل شيء، فلم يدخل الجنة ومعه كلمة من الشعر أوالرجز، ثم يقول لابن القارح أن حفظك لمبقي عليك كأنك لم تشهد أهوال الحساب، فيقص عليه ابن القارح حديث الموقف، وحديث دخوله فراديس الجنان، وانه يمم شطر رضوان خازن الجنان يمتدحه بشعره، فلا يزداد رضوان إلا إعراضاً عنه، وصدا دونه، ولما لم تجد مع رضوان ضراعة الشعر، صاح ابن القارح قائلا: يا رضوان! استطالت مدة الحساب، ومعي صك التوبة، وقد امتدحتك بأشعار كثيرة، فيستجيب دعاءه ثم يحاوره، لا في دخول الجنة بل في تعريف الشعر وفائدته. وفي جمع كلة شعر، ثم ينتهي بينهما الحوار إلى منعه من دخول الفردوس دون إذن من رب العزة. فلا تنقطع أطماعه بل يذهب إلى خازن آخر اسمه زفر يمتدحه بالشعر فيقول له زفر احسب هذا الذي تجيئني به قرآن إبليس المارد، ولا ينفق عن الملائكة. فمن أي الأمم انت؟ فيقول له من أمة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فيقول له زفر: صدقت ذلك نبي العرب، ومن تلك الجهة أتيتني بالقريض، لأن إبليس اللعين نفثه في إقليم العرب، وقد وجب علي نصحك، فعليك بصاحبك لعله يتوصل إلى ما ابتغيت. فيتركه ابن القارح غضبان أسفاً، ثم يسير في طريقه فيرى حمزة بن عبد المطلب فتتجدد آماله، وترجع له ثقته بالشعر: يأمل أن يجد له نفاقاً لدى ابن عبد المطلب، فيناديه وينشده، فيقول له حمزة: ويحك! أفي مثل هذا الموقف تحييني بالمديح؟ إني لا اقدر لك على ما تطلب. بيد انه يرسل مع رسولا إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ليخاطب النبي صلى الله عليه وسلم في أمره، فلما قص عليه القصص، قال له: أين صحيفة حسناتك؟ فيبحث عنها فإذا بها سقطت في شجار بين أبي علي الفارسي وبين شعراء حرف كلامهم، وأول أغراضهم، تدخل ابن القارح في فضه قائلاً: يا قوم، هذه أمور هينة، فلا تعنتوا الشيخ فانه ما سفك لكم دماً ولا احتجن عنكم مالاً. وعاد إلى كتاب التوبة يبحث عنه فلم يجده، فجزع وهلع؛ ولكن أمير المؤمنين قال له: لا عليك، ألك شاهد بالتوبة؟ فقال له نعم، يشهد لي عبد المنعم بن عبد الكريم قاضي حلب (حرسها الله) في أيام