الاستعمار والانتداب والحماية. . . أصبحنا نسمع كذلك ألفاظ الوصاية الفردية والوصاية الدولية. . . ومن يدري فربما أضيفت إليه في المستقبل صفحات.
والحق أن الغاية من كل هذا واحدة: إخضاع الضعيف لسلطان القوي، شأنه في ذلك شأن الذئب والحمل الذي قيل إنه كان يعكر عليه الماء. وسواء لدى القوى أطلب منه ضعف الوصاية عليه أم لم يطلبها، فهو من الحالين أهل لهذه الوصاية. ومن حق القوى أن يأخذ بيده حتى يصل به إلى درجة البلوغ الإنساني ليستحق بذلك أن يكون عضواً في جماعة الإنسانية.
ولو أنك سألت (عصبة الأمم) لماذا قررت (وضع سورية ولبنان) تحت الانتداب الفرنسي، لأجابتك في كثير من البساطة، لتساعدهما على النهوض والاستقلال بأنفسهما، ولتصل بهما إلى درجة من الرقي والحضارة تجعلهما أهلا لعضوية هذه العصبة. ولكنك لو سألت اليوم (فرنسا) لماذا لا تترك هذه البلاد بعد أن أدت فيها رسالتها (ما دامت الرسالة لم تكن الغاية منها إلا مصلحة الشعب المغلوب على أمره) أجابتك، وعلى شفتيها ابتسامة: والمنشئات الحربية والمواقع (الاستراتيجية) والمدارس والمستشفيات والكنائس التي أسسناها. . .؟ أتريدنا على أن نترك كل هذا دون عوض وأن ننصرف كما قدمنا؟ ولماذا إذن كانت كل هذه الجهود التي بذلنا قراب عشرين عاما؟ وكيف يجرؤ الشعب الذي امتصصنا دمه وأذقناه الذل والهوان، وحاولنا وضع بذور التفرقة بين وحداته على إنكار ما أسدينا إليه من صنيع؟
قلت ما أحكم قول شاعر المعرة:
وأرضٍ بِت أقرى الوحش زادي ... بها ليثوب لي منهن زادُ