ولذلك سمى مسجده جمع الجوامع) واستمر صاحبي في بحثه وشرحه ويقول:(استغفر الله! ناقل الكفر ليس بكافر. كانت هناك مدرسة اسمها الخاتونية بالصالحية درست، وأول من استفاد من أنقاضها سيباي هذا، وكانت هناك تربة باسم الأمير بلبان المحمودي أتابك العساكر المصرية بالديار الشامية أخذ سيباي حجارة واجهتها لبناء جامعه هذا ولم يترك لصاحبها غير الضريح) واستمر يشرح لي هذه النقطة الغامضة بإسهاب جعلني ألتفت إليه: (والله لو استعمل سيباي حجارة شارع جمال باشا بأكمله وأخذ رخام قلاع الكرك وحصن الأكراد ومصياف لما حال ذلك دون زيارتي لهذا الأثر المصري، فوفر عليك ما تقول وسر بنا نطوف به). ودخلنا المسجد وأنا أطيل النظر في الزخارف ومقرنصات الباب العليا وأترفق في لمس الجدران والحجارة وأتأملها بين أبيض وأسود وكأنها تحدثني وتحن إلي، وكنت قد صعدت الدرجات واتجهت إلى الصحن فوجدت على يميني جناحاً اتخذته جمعية الشبان المسلمين بالشام مقراً لها، فحف أعضاؤها لاستقبالنا والترحاب بنا، وكنت مبلبل الفكر سارحاً، فأخذت بذراع صاحبي على جنب وهمست في أذنه:(أبلغت القحة أن تطأ الأقدام ضريح أمير من أمراء مصر ويتخذ مدفنه مكتباً فلا ترعى لجسده أية حرمة!) فضحك صاحبي وقال: (لا بأس!) قلت: (وما معنى هذا؟) قال: (خفف عليك! إن سيباي قتل في معركة مرج دابق مع الغوري ولم يضم عظامه لحد ولا ضريح؛ والذي تراه أمامك ما هو إلا تربة فارغة).
انتصر صاحبي وعرف كيف يسكتني وكيف يقود الزيارة للصحن الداخلي ويلفت نظري إلى مزولة من رخام كتب عليها أنها من عمل الفقير محمد زريق الموقت سنة ٦٦٢، ثم أخذني إلى المصلى واستمر يحدثني عما يعرفه عن المحراب والمنبر الجميل وما فيه من الزخارف والنقوش الهندسية.
كنت أسمع إليه وأنا في عالم آخر. ولما وجدتني مشتت الفكر سار بي إلى إحدى الغرف المخصصة لتلقين صبية الحي بعض آيات القرآن الكريم. ورحب بنا الشيخ وأخذ يدعو أولاده لتلاوة ما حفظه كل منهم من جزء عم فسرّى ذلك قليلاً عني.
أما نفسي فكانت حزينة لا تفكر في شيء غير يوم مرج دابق والسلطان الغوري وسيباي وغيره من أمراء مصر الذين قتلوا وكتبت لهم الشهادة في ذلك اليوم العصيب. ونزلت