نظر صاحبنا نظرة مقلوبة، وهذه النظرة كانت جميلة عواقبها لتفضح أمره وترجع الحق إلى نصابه. عمد إلى كتب التراجم وشغله النسخ فأعماه عن فهم روح ياقوت أو تتبع أخباره، عمد إلى فوات الوفيات وبغية الوعاة واليتيمة ونسي كتابه معجم البلدان، أو قل أمله تصفح هذا الكتاب الضخم فرغب عنه لزهده فيه، فكان هذا الكتاب خير برهان أزاح الستار عن الخمسة أجزاء الدخيلة.
١ - أما البراهين فكثيرة، ذكر ياقوت في معجم البلدان كثيراً من الكتاب والمؤلفين فقال بأنه ذكر تراجمهم في معجم الأدباء ومن جملتهم عين القضاة عبد الله بن محمد، وأبو بكر الأدفوي، وأسعد بن علي النحوي، وابنه محمد النساد، ولكنا إذا رجعنا إلى معجم الأدباء نراه خلواً من تراجم هؤلاء.
٢ - جاء في أول نسخة خطية قديمة لكتاب الألفاظ الكتابية ترجمة مختصرة لمؤلف الكتاب عبد الرحمن الهمذاني نقلاً عن معجم الأدباء ونرى أن لا أثر في معجم الأدباء لهذه الترجمة
٣ - وأبلغ برهان ساطع ومضحك في الوقت ذاته هو أن ياقوت ذكر في معجم البلدان ج٤ ص ١٢٥ قصيدة لأبي العيناء في ديربا شهرا من رواية الشابشتي ولكنه أردفها بقوله: إن صح - أي شعر أبي العيناء - فهو عندي غريب لأن أبا العيناء قليل الشعر جداً لم يصح عندي له شيء من الشعر البتة، وفي معجم الأدباء نرى للأبي العيناء تسع قطع من الشعر، ولا يخفى أن ياقوتاً ألف محجم الأدباء قبل تأليفه معجم البلدان، وهذا تناقض لا يمكن أن يصدر عن مثل ياقوت.
٤ - قال ياقوت في مقدمة معجم الأدباء أنه جمع فيه من غلب عليه النثر والتأليف وأما من غلب عليه الشعر ولم يشتهر بكتابة الكتب وتأليفها فقد ذكره في معجم الشعراء، وإننا لنرى خمسة الأجزاء الأخيرة كثيراً من الشعراء والشاعرات الذين لم نعرف عنهم بضع قطع وليس لهم في عالم النثر والتأليف ذكر، وهذا تناقض في الكتاب نفسه.
والآن أستطيع أن أقول للكاتب السيد محمد فهمي عبد اللطيف الذي ركن إلى رأيه المؤرخ ياقوت في كيفية ضبط لفظ لقب (المبرد) في الصفحة ٩١٦ من السنة الخامسة من سني هذه المجلة، أستطيع أن أقول له الآن إنه أجهد نفسه في غير طائل لأن الضبط الذي وجده