وذيوع الصيت). فرد علي مواصلا الحديث:(نباهتي في خدمتك يا مولاي، ولكن على الرغم مما أنا عليه من إملاق، فإن ثمة قليلا من الناس هم أمرح مني نفساً، فلو قدر أن يكون لي عشرون ألفاً من الدنانير لكنت من أسعد الناس. وأنا الآن، والحمد للمقادير، لا أملك فلساً واحداً، ومع هذا، فإني لا أزال سعيداً، ذلك لأني لا أقيم وزناً للمال، فهو عندي وسيلة لا غاية، فإذا ما حرمته لا أجد غضاضة من قبول دعوة الكرماء إياي للطعام. والآن ما رأيك يا سيدي في لحم حنيذ مع قدح من الشراب؟ فإن أنت أطعمتني اليوم، فلسوف أطعمك يوماً من الأيام عندما أجدك في المتنزه وأنت أشد ما تكون رغبة في الطعام، وليس لديك من المال ما تدفع به ثمن العشاء)
ولما كنت لا أبخل أبداً بدريهمات أنفقها في سبيل رفيق طروب قصدنا تواً حانة مجاورة، ولم تمض سوى دقائق معدودات حتى كان الطعام والشراب مصفوفين على المائدة أمامنا. وإنه لمن العسير جداً أن أصف مبلغ طربه وانشراحه لرؤية الطعام والشراب فقال:(أنا استمرئ يا سيدي هذا العشاء لأسباب ثلاثة: أولا: لأني أحب لحم البقر؛ وثانياً: لأني جوعان؛ وثالثاً: لأني أحصل عليه بلا ثمن؛ إذ ليس هناك أشهى من اللحم الذي لا ندفع ثمنه)
لم ينته من كلامه هذا حتى أقبل على الطعام والشراب بنهم فائق، فلما انتهى العشاء أشار إلى أن اللحم كان نيئاً، ثم استطرد وقال:(ومع هذا فقد وجدته لذيذاً سائغاً، ما أفسح حياة الفقير وما أعظم شهيته! نحن معشر الشحاذين لقطاء الطبيعة نهيم في كل سرح، ونأخذ الحياة على علاتها، فإن هي أقبلت علينا فرحنا بها واغتبطنا، وإن هي أدبرت عنا لم نشتك ولم نتذمر. أما الأغنياء، فالطبيعة تعاملهم كما تعامل الربة أولاد زوجها، فهم أبداً يرمون بها ساخطون عليها، أعطهم قطعة من غريض اللحم، فإذا هي عندهم صلبة عسيرة الهضم، أمزجها بالتوابل، حتى التوابل لا تستطيع أن تشحذ شهيتهم، على حين أن الطبيعة شديدة الحدب على الشحاذين ترعاهم بعنايتها وتكلؤهم برحمتها. إن الخمر المعتقة لأحلى مذاقاً من الشمبانيا. . . السرور. . . السرور. . . تلك هي فلسفتي في الحياة، وهي قطعة من لحمي ودمي، فإن فاض النهر وغرقت نصف أراضي (كورنول) ألفيتني مطمئن النفس مرتاح البال، إذ ليس لي أملاك هناك، وإن ساءت أحوال السوق وتدهورت الأسعار. . . نمت