العمل المجيد الذي جاء نتيجة موفقة لنشاط المواهب التي استوعبت أمجاد الإسلام ومفاخره وأزهى أيامه وعهوده. . .
هو بهذا العمل يقف وحده في الطليعة بين قادة الشعر الحديث. وليس هذا المجهود على ضخامته وفخامته لشاعرنا فحسب، بل أذكر أنني قرأت له في إحدى المجلات الأدبية الكبيرة ثلاث قصائد في موضوع واحد وغرض واحد متباينة في سمو معانيها، وصفاء ألفاظها، ودقة أساليبها، فلا تكرار في المعاني، ولا تشابه في الأساليب والألفاظ. . . تلك قوة منقطعة النظير، لا تواتي إلا من هو في مواهب شاعرنا الممتازة، وعبقريته النادرة، التي تعاونت في تكوينها أسباب الثقافة الإسلامية، وكان ذلك الموضوع الذي أحدثكم عنه هو (غزوة بدر الكبرى)
تلك ناحية باقية تكفي وحدها لتخليد ذكره بين عظماء الفكر الحديث، فهو الشاعر الإسلامي العربي في كل ما ينتجه ذهنه الخصب وخياله الواسع
ديباجة مشرقة، وأداء محكم، وأسلوب أنيق، كل ذلك يصدر عن طبع أصيل في نفس شاعرة تستلهم أصدق مصادر الشعر العربي، وكان يتجلى ذلك حينما تستثار شاعريته الفياضة في موضوع يتصل بمذخوره العربي الخالص
فمشاهد الحركة الإسلامية الأولى ومجالي طبيعتها الشاعرة في عصورها الناصعة تسيل لها نفسه معاني وأخيلة في كثير من الدقة والجمال. تلكم الصحراء، يزورها الشاعر مع رفقة من أصدقائه وأحبائه، فتجري على لسانه قصيدته الرائعة التي حلت بها جريدة الأهرام جانباً كبيراً من صفحتها الأولى أستهلها رحمه الله بقوله:
هي الدنيا التي تسع الجمالا ... فسر إن شئت أو ألق الرحالا
هي الدنيا التي وسعت خيالي ... مررت بها فظننتني خيالا
هذا، ولقد مر شاعرنا الكبير يعبر دنياه كما يقول كالخيال الخاطف، لم يخلف من آثاره العديدة شيئاً مذكوراً، وأرجو أن أوفق في رجائي زميلي صاحب المعالي وزير المعارف ليصدر أمره بطبع أثره الفني القيم الماثل في (الإلياذة الإسلامية)
وبذلك تكون الحكومة قد أدت بعض الحق للشاعر الكبير المغفور له الأستاذ أحمد محرم، عوض الله اللغة العربية عنه خيراً، وأجزل له بقدر ما أدى إلى وطنه العزيز في نهضته