وثالثاً: حركة الآخر ليست خاضعة لاتصال اللفظ بغيره اتصالا مباشراً فحسب بل أيضاً تخضع للاتصال غير المباشر بالألفاظ المجاورة. فإسكان الأواخر يكثر من (التقاء الساكنين) أو تعذر النطق لتعاقب حركتين. . فإذا تعمدنا الوقوف عند كل كلمة قطعنا في المنطق تقطيعاً مضحكاً مرهقاً وإذا استرسلنا بغير ضوابط خرجنا على القاعدة خروجاً همجياً، وإذا اعتمدنا على التقديم والتأخير أخفقنا في الجمل المتشابهة الكلمات والجمل التي تتكرر فيها كلمات معينة.
ورابعاً: كثير من الألفاظ ساكن ما قبل الآخر. فإسكان الآخر أيضاً ثقيل جداً. وهو بالغ الثقل عندما نصل مثل هذه الألفاظ بألفاظ ساكنة الأول أو طيعة الأول على الأصح.
وخامساً: بعض الألفاظ مبني على حركة تدل دون غيرها على معنى خاص. مثل: أنتَ - أنتِ فإسكان (أنت) يحرمنا من فهم المعنى إلا بالسياق والإطناب حيث يغني الإيجاز.
إلى غير ذلك من الأحوال الخاصة بطبيعة لغتنا وحدها.
والعجيب أن اللغات التي تلائم طبيعتها قاعدة إسكان الآخر قد تجنح إلى أدوات شاذة لتعذر اطرادها. مثل إقحام حروف غريبة لا تمت إلى الأصول والأصلاب بصلة ما كالحرف في - أي:(هل هناك. . .؟) والجواب: بلا وجود للحرف الذي وجد لتحاشي التعقيد بالتخلص من تعاقب ولا أعرف لذلك ضريباً إلا في لغة بعض قبائل النوبيين فهم يقولون مثلا: (إتِّرْكِ اكِّرِى)(إتر: طعام - اكرى: هات - الكاف: زائدة لهذا الغرض. وللنوبيين عذرهم في لغة لا تكتب ولا تطرد لها قواعد مدونة.
وعلى العموم فإن إسكان الآخر عامل من عوامل إضعاف اللغات. حتى الأوربية بدليل الاختلاف بين سماعها وقراءتها إلى حد ما. فمعظم حروف الآخر فيها صامتة مثل: - ذلك مستقبلا إلى ضمورها كما أدى تمهيدياً إلى انقطاع الصلة بين المكتوب والمنطوق. لذلك يلتزم بعض الفقهاء في فن القراءات ضرورة الاتكاء على الحرف الأخير في حالة السكون بالقلقلة والغن والتنوين حتى لا يعتريه ضمور أو إبهام أو إضغام.
وهب أننا سنهتدي إلى قواعد للغة المقترحة فلابد من بذل مجهود ضخم في تعليم العامي أن كلمة (مستأبل) خطأ وأن صوابها (مستقبل) بإسكان الآخر وأنها تقدم في حالة الرفع وتؤخر في النصب. بمثل هذا المجهود تقريباً يمكن تعليمه أن الصواب (مستقبلٌ)، (مستقبلا).