للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجدر بنا بحثها لتعلقها بسؤالنا حول قابلية العرب للرقي.

إن العرب لم يعيشوا في خلال السبعمائة سنة الماضية في جو مثبط للعزيمة أو في عصر مدنية راقية وقصروا عنها حتى يمكننا القول بأن طبيعتهم فسدت وفقدوا مزاياهم. إن الأتراك استولوا على الوظائف الرئيسية أبان حكمهم وقطعوا صلات العرب بالعالم الآخر ومع ذلك يصح أن أقول إن العرب الذين نراهم اليوم عاشوا مئات السنين الماضية نفس العيشة التي عاشها الأشخاص الفاتحون الذين قاموا بتأسيس تلك الإمبراطورية الكبرى - طبعا هم جهلة ومتأخرون لحد ما - ولكن لا يوجد شيء يجعلنا نعتقد بأنهم فقدوا صفات الشجاعة والذكاء التي مكنتهم من القيام بفتوحهم وتأسيس إمبراطوريتهم العظيمة.

حيوية العرب العصريين:

دعنا ننتقل برهة وجيزة لبحث حيوية العرب العصريين. وبما أن الوقت لا يتسع لبحث هذه القضية بحثاً واسعاً فسأقصر كلامي على وجهة أو وجهتين بالنسبة للوضع الحاضر.

إنني لم أصادف في تجاربي وأعمالي ما يحملني على الاعتقاد بأن العرب غير قادرين على تيسير الأمور من وجهة حكومية أو إدارية كالحكام الاعتياديين في أوربا أو الاضطرابات والقلاقل التي تقوم عادة عند استقلال أي بلد عربي أمر طبيعي كما حدث في سوريا أو العراق عند انتقال الإدارة من السلطات الأوربية إلى السلطات العربية. وهنا أحب أن أذكر نقطتين: الأولى أن انتقال الإدارة من يد إلى أخرى لابد أن يوجد فترة عدم لستقرار؛ فعندما تسلم البريطانيون والفرنسيون إدارة هذه البلاد من الأتراك حدثت اضطرابات أعظم من هذه ودامت سنين عديدة؛ ولكن الآن وبعد مضي هذه المدة الطويلة على حكمهم يمكنك أن تجد إدارة منظمة كالآلة وموظفين قديرين. الثانية، وربما كانت الأهم أن أهل البلاد التي تحت انتدابنا يعرفون أن من وراء كل بريطاني أو فرنسي قوة عسكرية عظيمة، ومهما حاولنا أن نخدع أنفسنا بقدرتنا فعلينا أن نعترف بأن كثيرا من أعمالنا لا يعزى إلى شخصياتنا بل إلى القوى البرية والجوية التي تزيد من هيبتنا. فإذا ما أخذ عربي مسؤولية الحكم عرف الجميع بأن لا قوة ولا أساطيل وراءه تحميه.

سأقدم إليكم مثلا من وجهة ثانية على قدرة العرب العصريين في تطبيق النظم الفنية والعلمية الحديثة والاستفادة منها. وبهذه المناسبة سأذكر عملا أشرفت عليه بنفسي: عندما

<<  <  ج:
ص:  >  >>