للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا كان اقتنع بصحة ملاحظتي العلمية التي ترتكز على علم الأجناس).

وأبصرت في تلك اللحظة بتمثال لفا لجوبيرر إنه متوقد، ذو خلق ثائر، بوجهه كثير من التجاعيد والعجر كأنه أرض اجتاحتها العواصف. أما شاربه فشارب امرئ متذمر، وأما شعره فكث قصير. قال عنه رودان إنه كان ثورا صغيرا. لاحظت فيه غلظ الرقبة حيث تبدو أثناء الجلد وتضاعيفه كأنها غبب الماشية، وكذلك جبهته المربعة. أما رأسه فمائل عنيد، على وشك أن يشيح بحركة إلى الأمام. حقا إنه. ثور صغير! كثيرا ما كان رودان يتمثل بتشبيهات من المملكة الحيوانية. فمثلا إذا كان الإنسان ذا رقبة طويلة وحركات آلية فهو الطائر يتذبذب يمنة ويسرة، وإذا كان جد ظريف كثير الحركات الرشيقة فهو كلب الملك شارك وهكذا. ومن شأن هذه التشبيهات أن تسهل العمل لمن يبحث وفي تقسيم سحن الناس وسيمائهم أقساما عامة. ثم طفق رودان يشرح لي الظروف التي أدت به إلى فالجويير قال:

(كان ذلك عندما رفضت جمعية الآداب قبول تمثالي (بلزاك) أصر فالجوبير الذي تولى عمل تمثال آخر لبلزاك من بعدي على أن يبين لي بحافز من صداقته إنه لم يضلع بتاتا مع أولئك الذين أرادوا الغض من قدري وسمعتي. فدفعني حدبه إلى عمل تمثال له. وعند ما انتهيت منه ورآه قدره تقديرا وعده فوزا عظيما. وإني لأعلم إنه كان يدفع عنه نقد الناقدين في حضرته. وفي مقابل ذلك عمل لي تمثالا بدوره فجاء جد ظريف).

وعندما كنت أهم بالانصراف وقعت عيني على نسخة شبيهة لتمثال برتلو الذي عمله رودان قبل وفاة الكيميائي العظيم بسنة واحدة فقط

كان العلامة الكبير يبدو كأنه مطمئن إلى تأدية رسالته. إنه يتأمل. إنه منطو على نفسه، وحيدا يواجه العقائد البالية المتداعية، وحيدا قبالة الطبيعة التي نفذ إلى بعض أغوار أسرارها ولكنها ما زالت جد غامضة؛ وحيدا على حدود الأفق الغير محدودة. جبينه معذب، وعيناه المسبلتان مليئتان بالهموم وكأن هذا الرأس الجميل رمز للفكر العصري وقد ازدحم بالعلم والمعرفة وأضناه التفكير، ينتهي به الأمر إلى التساؤل (وما جدوى كل ذلك).

احتشدت برأسي الآن كل تلك التماثيل التي كنت أعجب بها والتي كان يتكلم عنها رودان، وقد بدت لي كأنها وثائق قيمة عن عصرنا الحاضر ثم قلت:

<<  <  ج:
ص:  >  >>