وقد اعترفت فيها إنجلترا لألمانيا بامتيازات عظيمة، إذ أصبح لها حرية التصرف في السكة الحديد الأناضولية وسكة بغداد، مع احتفاظ إنجلترا بجميع حقوقها السابقة في هاتين المنطقتين. لكنها نجحت في إبعاد منافستها إبعاداً مؤقتاً على الأقل عن شواطئ الخليج الفارسي. فكان من الممكن إذن أن تنجح يوماً في تحقيق مشروعاتها المتعلق بإنشاء سكة حديد إمبراطورية إنجليزية تصل بور سعيد بالكويت، ثم تمتد على الشواطئ الإيرانية إلى الهند. ويقول البرنس لخنوفسكي في مذكراته:(كان الغرض من هذه المعاهدة في الواقع تقسيم آسية الصغرى (مناطق نفوذ)، غير أنه كان واجباً أن نتفادى من استعمال هذه العبارة بأعظم عناية مراعاة لحقوق السلطان)
ولاشيء أدل من اعتراف البرنس لخنوفسكي هذا على ما يجب أن يعرف الشرقيون من معنى صداقة الدول المستعمرة ومعنى التصريحات السياسية المتعلقة بحفظ كيان الإمبراطورية العثمانية كتصريح وزير الخارجية البريطانية في مجلس العموم بشأن تأمين فرنسا في اتفاق عام ١٩١٢ المتعلق بسورية؛ وليس أوضح من ذلك الاعتراف في بيان ما يجب أن يفهم الشرق من معاني الاستقلال وما شاكل هذه الكلمة على ألسنة السياسات الاستعمارية
ولاشك في أن الاتفاق الثلاثي بين فرنسا وروسيا وإنجلترا جعل غليون الثاني على يقين من أنه لا يستطيع تحقيق أطماعه في الشرق بغير التجاء إلى القوة، لكنه مع عزمه على الحرب كان راغباً في تأجيل موعدها إلى اليوم الذي تصبح فيه قوة الأسطول الألماني مساوية قوة الأسطول الإنجليزي. أما الاتفاقات الشرقية التي قبل أن يعقدها، فكان غرضه منها تأخير أجل الحرب على أمل أن يفك عرى ذلك الاتفاق الثلاثي بسياسته. بيد أن الحرب البلقانية الثانية انتهت بمعاهدة بخارست المعقودة في ١٠ من أغسطس عام ١٩١٣، وقد وزعت معظم الأراضي العثمانية في أوربة على أكبر دول البلقان شأناً، خصوصاً سربيا واليونان، فسببت بذلك اندفاع ألمانيا في سبيل الحرب وانجرار إمبراطورية النمسا والمجر معها: فقد كان الإمبراطوران يتوقعان أن يسحق الترك سربيا واليونان، فإذا بهاتين الدولتين تصبحان سداً أمام ألمانيا في طريق الشرق وأمام إمبراطورية النمسا والمجر في طريق سلانيك وازدياد قدرة سربيا بمنع تنفيذ برنامج التوسع الجرماني بالحيلولة دون كل