(وفيه (أي ربيع الأول) نودي بتزيين الأسواق من الغد تعظيما ليوم المولد النبوي الشريف فلما أصبح الأربعاء كررت المناداة والأمر بالكنس والرش فحصل الاعتناء وبذل الناس جهودهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل الهندية مع تخوفهم من العسكر. وركب المشار إليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع. وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجميع بتكية الكلشني على العادة، وتردد الناس ليلاً للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات، وقراءة القرآن، وضجت الصغار في الأسواق وعم ذلك سائر اخطاط المدينة القاهرة، ومصر وبولاق. وكان من المعتاد القديم ألا يعتني بذلك إلا بجهة الأزبكية حيث سكن الشيخ البكري لأن عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط).
وفي وصف احتفال سنة ١٢١٧هـ ما يأتي:
(فيه (ربيع الأول) شرعوا في عمل المولد النبوي وعملوا صواري ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتر دار والشيخ البكري ونصبوا خياماً في وسط البركة ونودي في يوم الخميس بتزيين البلد وفتح الأسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال، أولها صبح يوم الجمعة وآخرها الأحد ليلة المولد الشريف فكان ذلك) ونستطيع أن نلمح في الاحتفال الرسمي الذي يقام في أيامنا احتفاء بالمولد النبوي الكريم بعض رسوم العصور الخالية، وبالأخص بعض المناظر التي ينقلها إلينا الجبرتي عن هيئة الاحتفال في أواخر العصر التركي، ولكنا لا نستطيع أن نلمح فيه كثيراً من تلك الروعة التي كانت تطبعه في عصور المجد والاستقلال، ولا نستطيع بالأخص أن نلمس آثار ذلك الصدى العميق الذي كان يتردد بين طوائف الشعب ويجعل من المولد النبوي الكريم عيداً دينياً وقومياً عاما يحتفي به الشعب بأسره).