- فلبث في الملجأ المظلم تحت الأرض ليلة كاملة، قال لما انقضت:(لقد كنت في ستالينغراد يوم ضربها الألمان، فما رأيت أكثر مما رأيت الليلة)!
ولما قدمت دمشق زوجة رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت السيدة دودج، ورأت آثار العدوان، قالت: لقد قتل ابني الوحيد في فرنسا، فكان يصبر النفس عنه أنه مات في سبيل الحق والإنسانية، أما الآن، فواطول حزني وكمدي، لقد أيقنت أن ابن مات في سبيل (لا شيء)!
يا جنرال! لما ذهبت أزور القلعة بعد الحادث بأيام لم أستطع أن أدنو منها من رائحة الموت، إذ تفوح من آلاف الجثث، جثث الأبرياء التي كانت بالأمس رجالا كراماً، كانوا ملء الدنيا حياة ونشاطاً، وكانوا ذخر عائلاتهم وبلادهم، فصاروا. . . أكواماً من اللحم العفن الذي يؤذي العين والأنف!
لم ينج من شر جيشك الأحياء ولا الأموات. ولقد أبصرت في (الدحداح) قبوراً قد نبشتها القنابل، وقذفت رممها، أفإن عجزت عن حرب أعدائك الأقوياء، جثث تحارب موتانا؟
لقد كان ذلك كله، وكان أكثر منه، أفهذا من العدل الذي تهتف به؟ لا يا جنرال؟ إن كلمة (العدل) أكرم من أن تمر على لسان مر منه ذلك الأمر الهمجي بضرب دمشق أقدم مدينة عامرة على ظهر الأرض بلا استثناء، وأكاد أقول أجملها. إن الشفاه التي تعرف كلمة (العدوان)، لا يمكن أن تألفها كلمة (الحق والعدل)!
ولكن (في الكون عدلا)! نحن نقولها الآن! وإن من عدل الله أن جعل صبرنا نعمة علينا، وعدوانكم وبالا عليكم!
لقد انتهت الرواية، وأسدل الستار، فتعال ننظر ماذا ربحنا وماذا ربحتم؟ لقد خسرنا منازل من أحسن منازلنا، ورجالا من أكرم رجالنا، وملايين من حر أموالنا، ولكنا ربحنا الخلاص منكم، والاستقلال عنكم، وسنبني الدور، ونلد الرجال، ونعوض المال، فماذا ربحتم انتم؟ ماذا؟ يا من كشفت للناس عن حقيقتك، وانك ما خلقت لتسوس الأمم، ولا لتحكم الشعوب، ربحت بغضاء لا تمحى. لقد أسأت إلى التاريخ الفرنسي والثورة الفرنسية والأدب الفرنسي، ولطخت بالوحل أسماء كانت فينا لامعة نظيفة، وكان لها في النفوس مكان، وسيتوارث العرب كلهم والمسلمون هذه البغضاء بطناً بعد بطن، وستزيد وتعظم، وتغدو