للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيضاً أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد أبي وقاص وهو نازل بمدائن كسرى والى عامله بالبصرة والى عمرو بن العاص وهو نازل بالإسكندرية: (أن لا تجعلوا بيني وبينكم ماء متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت). فتحول سعد من مدائن كسرى إلى الكوفة، وتحول صاحب البصرة من المكان الذي كان فيه، فنزل البصرة وتحول عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط)

من هذا نرى أن رغبة عمر في أن لا يحول بين المسلمين وبينه ماء لم تكن قاصرة على مصر، بل كان يريدها أن تتوافر في كل الأمصار التي فتحها العرب؛ ويقول فريق آخر من المؤرخين، ومنهم المستشرق الإنجليزي في كتابه إن عمر لم يكن قد رسم لنفسه بعد خطة ثابتة لتكوين إمبراطورية إسلامية واسعة، ولذلك كان يريد أن يكون على اتصال دائم بجيوشه التي خرجت للفتح، وإذ كان الطريق بين بلاد العرب والإسكندرية قابلا للانقطاع في زمن الفيضان فينقطع بذلك سبيل الاتصال بينها وبين المدينة عاصمة الخلافة فقد كتب عمر إلى عمرو يأمره أن يتخذ له حاضرة أخرى غير الإسكندرية.

ويبدو عند مقارنة هذين الرأيين - أحدهما بالآخر - أنه ليس للرأي الثاني من القوة والصحة قدر ما للرأي الأول، وذلك لأن النشاط الذي أبداه عمر منذ ولي الخلافة وإرسال الجيوش تلو الجيوش إلى الشام وفارس ومصر، كل هذا يثبت بالبرهان القاطع أن المستشرق الإنجليزي لين بول إنما قال ما قال من باب التعليل والاستنتاج العقلي فحسب.

لهذا أعرض عمرو عن الإسكندرية وولي وجهه شطر الفسطاط؛ ولنا أن نتساءل مرة أخرى: لم اختار عمرو هذا المكان دون غيره لبناء مدينة الفسطاط؟ وهنا تتشعب الآراء وتتعدد، ولكنها برغم تشعبها وتعددها لا تصل بنا إلى رأي حاسم معقول، فغالبية المصريين كابن عبد الحكم وابن دقماق والمقريزي وأبي المحاسن والسيوطي وغيرهم يروون حادث اليمامة على أنه السبب الأساسي لاختيار عمرو لهذا المكان ونزوله وجيشه بين ربوعه؛ وغالبية المؤرخين الفرنجة: كبتلر، ولين بول، وكازانوفا وغيرهم؛ لا يهتمون بمناقشة الأسباب التي دعت عمراً لاختيار هذا المكان دون غيره قدر ما يهتمون بمناقشة الآراء المختلفة في سبب تسمية هذه الحاضرة بالفسطاط.

وبرغم أتهم يستطرفون قصة اليمامة فأنهم يرجعون هذا الاسم إلى الكلمة الإغريقية (أي

<<  <  ج:
ص:  >  >>