إن المتصفح هذا الكتاب، المتمعن عناوين أبوابه، لا يلبث أن يحكم بأن المؤلف ما زال في غمرة الشباب وأحلامه، وأنه للجمال وللحب، فإذا ما قرأ الكتاب انتهى إلى أنه لم يخطئ في حكمه، وأن للكاتب عرقاً في الأدب يمتد إلى القديم والحديث والشرقي والغربي في أفانينه.
بيد أنه عرق ما زال رطب العود بدليل أن المؤلف، وإن أحاط بما سبقت الإشارة إليه من مواضيع إحاطة شاملة تشهد له بالتقصي المحكم والاستقراء الحاذق في الشائع من الأدبيين العربي والأوربي، إلا أنها إحاطة تكاد تخلو من كشف جديد في أحكام قضية الحب والجمال، وتكاد تقفر من اللفتات الأصيلة البارعة التي تشق للقارئ أفقا جديداً من التأمل.
وهذا مأخذ إذا سجلناه، فلأننا ننفس بالمؤلف، وهو نابه في بدايته، أن تقف جهوده عند السير في السبل المعبدة المطروقة.
والمؤلف في كتابه يوحي بظاهرة نفسية جديرة بالتأمل، تراود الخاطر على استجلاء بواطنها، فإذا أخذنا في تحليلها، برد الفرع إلى الأصل، إذا تقصينا الحافز الباطني الذي دفع قلم المؤلف إلى معالجة هذه القضية بهذا النفس الحار والنشوة البالغة التي لا تتوانى عن أن تمتد إلى القارئ اليقظ الوجدان، إذا أخذنا بكل هذا فسرعان ما يتضح لنا أن المؤلف يصدر فيما كتب عن كبت حسي، كبت له طابع خاص، إذا تعاونت على تصفيته وتهدئته وإلجام نزواته قيود تأصلت في نفسه، وثقافة أمدت صاحبها بما يجعله يغلب المعنويات على الماديات في أحاسيسه فركبت فيه شاعرية حالمة تدخل في نطاق الحديث الشريف (إن الله جميل يحب الجمال).
المؤلف يكابد عقدة نفسية، ومن منا ليست له عقدة نفسية تسيطر على أعماله وسلوكه، ولكن من لطف الله بالأستاذ المؤلف وبنا، وبآنسات المعهد، أن عقدته النفسية رهينة قيود لا تشكو أسرها، جعلته للشباب في أحلامه وتهاويله العذراء البكر، وليس للشباب في متطلباته العادية، واستجابته لصوت الدم الدافيء، فهنيئا له فقد كفاه الله شر القتال في مجال قلما يكون الغالب فيه خيراً من المغلوب.
ولا يضير الأستاذ (حلمي) في شيء أن يكون من هذه الفئة المحرومة من لذاذات الواقع، الموفورة الحظ من متع الخيال وأفاويقه فإن كتابه جاء خالياً مما يسعر الحس، ويدفع إلى