يقول العقل ليته حكم بخلافه، بل أحكامه كلها مما شهد العقل والنظر بحسنها ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها، وأنه لا يصلح في موضوعها سواها)
٢ - غايته تحقيق مصالح العباد
ومن محاسنه جعل غايته من التشريع تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، ودفع الضر والمفاسد عنهم، وتحقيق العدالة المطلقة، فما من حكم منصوص عليه، أو حكم اجتهادي إلا روعي فيه تحقيق هذه الغاية. قال ابن القيم في كتابه المذكور:(من له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالاتها، وأنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأنها جاءت بغاية العدل الذي يفصل بين الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، وعرف أن السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها، ووضعها مواضعها وحسن فهمه فيها - لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة).
وقال فيها أحد كبار الكتاب في هذا العصر:(الأمور الشرعية التي دونها الفقهاء المسلمون قبل نحو أحد عشر قرناً تبذ في عدالة أصولها وسمو مستواها واتفاقها مع الحق الطبيعي جميع القوانين الوضعية حتى التي سنت في القرن العشرين، ثم قال: إن من يتأمل في التشريع الذي استنبطه علماء المسلمين في الرق والأرقاء، وفي المرأة، وما يتعلق بها من حقوق طبيعية وروحية، وفي الأيتام والفقراء، وفي حقوق المحاربين والمعاهدين، والأجانب والذميين، وفي الشئون المدنية والجنائية، وفي العقوبات والتعزيز. . . من يتأمل في هذا كله يجد تفوقاً ظاهراً في التشريع الإسلامي على التشريع الأوربي في القرن العشرين).
ولا شك أن ذلك هو الجدير بشريعة جاءت مكملة لما كان في الشرائع قبلها من قصور أو نقص بعد أن استعدت أمم البشر لتلقي هذا الكمال، ونضجت لتقبل أسمى المبادئ وأشراف الغايات والمقاصد، وهو قُمن بشريعة عام جاءت لإصلاح البشر كافة بعد أن كانت كل شريعة قبلها خاصة بأمة معينة ومقصورة على زمن محدد: روى عن صاحب الشريعة محمد صلوات الله وسلامه عيه أنه قال: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها إلا موضع هذه لبنة، فكان من دخلها فنظر إليها فأعجب بها قال: ما أحسن هذه الدار إلا موضع هذه اللبنة، فأنا اللبنة، بي ختم الله الأنبياء والمرسلين)