المصدوع سيودي به حتما إن لم يلتمس ألواناً من اللهو تذهله عن هواه ولو لحين. إن الوحشة السوداء تغلف لياليه والأيام، وإن اللقاء الموعود لن يتم إلا بعد أسابيع طوال مضنيات، فما أحوجه إلى العزاء - أي عزاء!
إنه لا يدرك كل ذلك، وقد ينكره إن يجابه به، ولكنه هو هو ما تهتف به نوازعه الخفية المهمة، وهو هو ما أخذ يهيمن شيئاً فشيئا على خوالجه الباطنة العميقة، وهو هو الذي مهد سبيل (المأساة). . .
أجل لقد ظلت، ظلت أسبوعاً كاملا، ما كنت أصغي في لغير نداء الجسد الحقير.
أبعدت الروح، فقلت للشهوات الراقدات:(هبي! هبي!)؛ وخاطبت المتع الترابية مردداً:(ضميني إليك، عانقيني. . هكذا!)؛ ونصحت الجسد الظمآن قائلا:(اغرف من الينبوع ما طاوعتك قواك، واحتس من الأباريق جهد المستطاع فمن يدري! لعل صاحبك يشمئز يوماً ما من هذه الحال، فيرتد عن ضلالة المبين ويهتدي إلى الحظيرة من جديد)
سعال عنيف، يتصاعد من صدر منهار، وعلى الفراش ثمة إنسان شاحب، هزيل، أضناه السقام، وشفه التبكيت، فيا للمريض!
إنه ليزيد نفسه تعذيبا بقراءة اليوميات (العذرية)، والتي كان يخطها بدمعه الثر، ودمه الغزير قبل فترة (الظلال) إن قرأتها تجسم له خطيئته، وتكبر زلته، وتوحي إليه أنه دنئ دنئ، فهو يتساءل متعجبا آسفا ثائراً:(أأنا الذي فعلت ما فعلت؟! أأنا - أنا الذي ما كنت أصبو ألا إلى السمو والتحليق - أمرغ نفسي في التراب المشوب والطين المهين؟!
(ويل لي! ويل لي من نفسي! وويل لي من الحبيب الذي خنت! وويل لي من الله!)
أيها الجسد الظمآن: ألم أقل إن صاحبك قد يبصر بعد عماه؟
. . . وهكذا مزقتك ثائراً، أيتها الصفحات، ثم محوتك محواً بعود ثقاب، أوديت بك في لحظة من لحظات ثورتي على نفسي وعلى أصدقائي الذين أضلوني؛ وفعلت دون تردد أو نكوص، أحرقتك لكي تصفيك النار، وتعيد إليك نقاءك المفقود، فأنت أيضاً قد دنست، وهم، هم أيضاً الآلي دنسوك، لقد لطخوك كما لطخوا صاحبك المأفون، الذي كان إليهم بين أيام وأيام، فيقرئونك ساخرين، صاحبك الذي أوحت إليه الغرارة والوهم