وبعث الإفشين إلى المعتصم من الحبس: (إن مثلي ومثلك يا أمير المؤمنين كمثل رجل ربي عجلاً له حتى أسمنه، وكبر، وحسنت حاله. وكان له أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمه فعرضوا له بذبح العجل فلم يجبهم. فاتفقوا جميعاً على أن قالوا له ذات يوم: ويحك، ألم تر هذا الأسد وقد كبر، والسبع إذا كبر رجع إلى جنسه، فقال لهم: هذا عجل. فقالوا هذا سبع، سل من شئت عنه. وقد تقدموا إلى جميع من يعرفه انه إن سألهم عنه قالوا: هو سبع. فأمر بالعجل فذبح، ولكني أنا ذلك العجل، كيف اقدر أن أكون أسداً؟ الله الله في أمري، فقد وجب حقي. وأنت سيدي ومولاي) فلم يلتفت المعتصم إليه
- ١٠ -
ومما نسب إلى ابن المعتز قوله:
تعلمت في السجن التكك ... وكنت امرأ قبل حبسي ملك
وقيدت بعد ركوب الجياد ... وما ذلك إلا بدور الفلك
ألم تبصر الطير في جوه ... يكاد يلامس ذاك الحبك
إذا أبصرته خطوب الزما ... ن أوقعْنَه في حبال الشرك
فها ذاك من حالق يُصاد ... ومن قعر بحر يُصاد السمك
- ١١ -
وعقد الثعالبي في اليتيمة لأبي اسحق الصابي فصلاً سماه (ما أخرج في شهره في الحبس) وأكثره في الحكمة والشكوى وذم الدنيا. فمن ذلك قوله:
يعيّرني بالحبس من لو يحله ... حلولي لطالت واشمخرّت مراكبه
وربّ طليق أطلق الذل رقه ... ومعتقل عانٍ وقد عزّ جانبه
وإني لقرن الدهر يوماً تنوبني ... سطاه ويوماً تنجلي بي نوائبه
ومن مدّ نحو النجم كيما يناله ... يداً كَيِدي لاقته أيدٍ تجاذبه
ولا بد للساعي إلى نيل غاية ... من المجد من ساع تدب عقاربه
وما ضرّني أن غاض ما ملكت يدي وفي فضل جاهي أن تفيض مذاهبُه
ولي بين أقلامي ولّبي ومنطقي ... غني قلَّما يشكوا الخصاصة صاحبه