وهو في ٨٠٠ صفحة بلغت مصادره ١٧٠، وما فيه فقرة إلا وقد عزيت إلى صفحتها من مصدرها، هما أوثق المراجع وأجمعها في سيرة العمرين، ولولا أن أمدح نفسي لقلت: إنه لم يؤلف في بابهما مثلهما، ولكن مطبوعاتنا في الشام لاحظ لها في مصر. . .
٢ - زناه فحده:
ذكرني ما قال أستاذنا النشاشيبي في العدد ٦٤٥ بالمثل المشهور عند الفقهاء (زناه فحده)، وفيه شاهد للأستاذ في أنها زناه لا زاناه، وهو بعد مثل لمن يشرح كتاباً فيحرف الأصل، ويقول المؤلف ما لم يقل، ثم يعلق عليه التعليقات، ويشرح الشروح.
علي الطنطاوي
هل هي جرها شرك كما يراها الرافعي رحمه الله:
عرض إمام العربية الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي في تحقيقاته الفريدة لكتاب إرشاد الأريب إلى قول مجنون أبي عامر:
كأن القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح
قطاة غرها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
فآثر حفظه الله رواية (عزها شرك) التي رويت في الكامل والحماسة والأغاني على رواية (غرها) وقد كنت جنحت للأخذ برواية الكامل وغيره منذ أربع عشرة سنة، ثم رأيت الاستئناس برأي الأديب الكبير مصطفى الرافعي رحمه الله فبعثت إليه بكتاب قلت فيه: إلا يصح أن نصحح غرها بعزها؟ فأجب طيب الله ثراه بقوله:
(. . . أما تصحيح غرها بعزها فلا قيمة له، لأن الشرك لا ينصب للقطاة إلا وهو يغليها، إذ لا ينصب إلا لصيدها! فليس هناك شرك لا يعزها. ويخيل لي أن صواب الكلمة جرها لأن الشاعر يقول: فأمست تجاذبه، ويقول قبل ذلك:
كأن القلب ليلة قيل يغدي ... بليلى العامرية أو يراح
فكأن ذكر الرحيل يجر قلبه جرا فكيف بالرحيل نفسه؟ وجرها تجعل المعنى أقوى وأفخم.
وأكثر النساخ حين ينسخون يعطون الكتاب لمن يملى عليهم، ومن السهل جداً انخداع السمع في جرها فيسمعها الناسخ غرها؛ ومثل هذا يقع في التحريف كثيراً، ومنه الكلمة التي