للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حاول أن يسير في تلك الطريق المتعبة لعاصاه مزاجه، ولن يضع منه عندنا أنه لم يكن ذا صياغة. وإذا أعجبنا بقول حبيب الصائغ:

ما ترى الأحساب بيضا وضحا ... إلا بحيث ترى المنايا سودا

أيما إعجاب. فقد تقبلنا قول المتنبي:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم

خير تقبل، ومعنى البيت واحد. والصياغة البارعة المحيرة عند الغواص الصواغ في الأول، والطبيعية البليغة الفصيحة مع المحلق في سماء القول في الثاني.

يقول الدكتور محمد: (وهو من حيث الشعر العربي قد يكون عظيما ولكنه من حيث الشعر إطلاقا لا يمكن أن يكون ذا خطر).

فمن أصحاب هذا الشعر من العرب أو العجم في مذهبه؟

ما قوله في شكسبير شاعر الإنجليز؟

ما قوله في غوته شاعر الجرمان؟

ما فضيلة هذين الشاعرين عنده؟

هل لدكتور محمد أن يروي لنا نموذجا أو نتفة من خير ما قال غوته أو من خير ما قال شكسبير أو من خير ما قال شاعر من أرباب (الشعر إطلاقاً)؟

دكتور محمد كامل حسين قد ظاهر في الفضل بين الدرعين، وقد استبد بمنقبتين، فنحن نستهدي علمه وأدبه ونستفتي غير متمثلين بما قال الصاحب للقاضي الجرجاني صاحب (الوساطة بين المتنبي وخصومه):

إذا نحن سلمنا لك العلم كله ... فدع هذه الألفاظ تنظم شدورها

وأقول في ختام هذا الحديث المختصر:

لو لم يكن - يا شيوخ ابن خلدون - أحمد الأول وأحمد الثاني اللذان (ليسا من الشعر في شئ) كما لفتتم قولكم لخسر الأدب العربي أيما خسران. وإذا استغنى الإنكليز عن شكسبيرهم - وكارليل يقول (لا غنى لنا عن شكسبير) - واستغنى الجرمان عن غوته، وغوته - كما رووا - نبيهم في الأدب، كلامه قرآنهم، فالعربيون محتاجون كل المحتاجين إلى أبي الطيب وإلى أبي العلاء. ولن يزهدهم فيهما مزهدون، ولن يلفتهم عنهما لافتون،

<<  <  ج:
ص:  >  >>