للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القضايا المدنية الهامة التي يراد فيها اغتيال مال وثروات يطمع فيها باسم الشريعة وقضائها. وكثيرا ما كانت السلطة العليا تغفل في إجراءاتها وأعمالها هذه الصبغة الشرعية، ولكنها كانت في أحيان كثيرة ترى من حسن السياسة إلا تحمل مسئولية القصاص أو الانتقام أو مصادرة الأموال، وان ترد هذه المسئولية إلى القضاء، وهو في نظرها ورأيها أداة من أدوات التنفيذ التي تسيطر عليها وتسيرها طبقا لمصالحها وأهوائها.

وإذا كنا لا نستطيع أن نظفر في تاريخ القضاء في تلك العصور بأمثلة كثيرة لتطبيق مبدأ استقلال القضاء، فأنا نستطيع أن نظفر بالعكس بكثير من الأدلة والوقائع على خضوع القضاء للسلطة العليا ايا كانت وتبعيته لها وتوقفه على إرادتها وهواها. ونكتفي بان نورد لتأييد هذه بالحقيقة مثلا واحدا من تاريخ القضاء في أوائل الفرن التاسع الهجري، نقله إلينا المقريزي وهو من معاصريه وشهوده. وخلاصته انه في عهد الناصر فرج سلطان مصر، أنشأ الأمير جمال الدين الاستادار مدرسة عظيمة بالقاهرة، أوقف عليها أوقافا جليلة، وكان إنشاؤها على ارض عليها أبنية موقوفة على بعض الترب، فاستبدل بها الأمير أرضا من جملة الأراضي الخراجية بالجيزة، وحكم له قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم بصحة الاستبدال وهدم البناء أقام مكانه المدرسة. ثم نكب الأمير جمال الدين وقتله السلطان، وحسن له بعض وزرائه أن يستولي على المدرسة وان يضع اسمه عليها، فادعى السلطان عندئذ أن الأرض الخراجية المستبدل بها كانت ملكه واغتصبها الأمير جمال الدين دون إذنه، وحكم له قاضي قضاة المالكنة، بان بناء المدرسة الذي أقيم على ارض لم يملكها الواقف، لا يصح وقفه، وانه باق على ملكية بانيه إلى حين موته، وعندئذ انتدب الشهود لتقدير قيمة البناء، فقدر باثني عشر ألف دينار ودفع المبلغ إلى أولاد جمال الدين وباعوا المدرسة للسلطان، فصارت ملكه، ثم أوقف السلطان أرض المدرسة وبنائها بعد أن قضى له قاضي الحنفية بصحة الاستبدال، وحكم له القضاة الأربعة بصحة هذا الوقف؛ بعد أن قضوا من قبل بصحة وقف الأمير جمال الدين. فلما قتل الملك الناصر، وتولى مكانه الملك المؤيد، تولى الوزارة بعض أصدقاء جمال الدين، وسعوا لدى السلطان ليرد أملاك جمال الدين المغتصبة إلى أخيه وأولاده، فأجاب السلطان ملتمسهم، وأحيلت القضية مرة أخرى على القضاة الأربعة، وعقدت لذلك جلسة مشهودة (٨١٥هـ)، وقضى برد المدرسة وأوقافا

<<  <  ج:
ص:  >  >>